بعد الإعلان عن تراجع عدد الإصابات بفيروس (كوفيد – ١٩) في لبنان، وتخفيف إجراءات الحظر الجزئي، سألت بعض أصدقائي لو فجأة نسمع بخبر اختفاء وباء كورونا من الكرة الأرضية ماذا ستفعلون؟ الأولى قالت سأخرج من بيتي أركض فرحاً على طول الخط البحري في منطقة عين المريسة، سأمارس رياضتي المفضلة من دون ارتداء الكمامة ومن دون الشعور بالخوف لو اقترب أحد مني.. لا بل سأذهب إلى شارع الحمراء وأسهر وأرقص في حانة زكريا، لقد اشتقت للسهر فيها كثيراً.
الثاني أشار وعلامة الدهشة على تقاسيم وجهه من السؤال... ماذا؟ يختفي الوباء فجأة يعني.. خروجي من السجن الاختياري.. يعني إمكانية العودة إلى وظائفنا التي خسرناها، يعني استرداد حريتنا التي حرمنا منها، هذا يعني عودة الروح إلى بيروت وشوارعها، أسواقها، حاناتها، مقاهيها، ومكتباتها.
وأيضاً ذات علامات الدهشة على عيون إحدى الصديقات المغتربات من جنوب اسبانيا وهي متزوجة من مواطن لبناني.
سرحت قليلاً الإشبيلية إلى حقيقة إمكانية نهاية الوباء قريباً ورؤية الحياة في بلدات ومدن بلادها.
سأشد الرحال بأول الأيام من إعلان هذا الخبر الى أمي فمنذ أكثر من عامين لم أرها، اشتقت لرائحتها والبكاء على ركبتيها تماماً مثلما كنت أفعل وأنا طفلةٌ صغيرة.
لقد اشتقت لتناول طبخة «الباييّلا» من يديها، اشتقت للسفر لحضور مهرجان «تومانينا»، وإلى تراشق بعضنا البعض بالطماطم، أحنُّ كثيراً إلى فوضى الضحكات في مهرجان فالانسيا، ليس هذا فحسب بل سأرتدي ثياب السباحة وألعب وأغني مع موجات البحر دون الشعور بالذعر ممن حولي، بعدها سأذهب الى إحدى الكافيهات وأطلب بيتزا ونرجيلة بنكهة المعسّل المفضل لدي لقد اشتقت لدخانها في الأماكن العامة.
توقف بنا الزمن لدقائق قليلة حين طرحنا السؤال على بعضنا البعض، هل حقا يمكن أنْ نعود لحياتنا الطبيعيَّة؟
هل يمكن أنْ نقرأ الخبر في الجرائد ذات صباح؟ وبالمانشيت العريض اختفى فيروس كورونا من كوكب الأرض!
هل سيعود العاشق لمقابلة من يُحب، فحتى سلوكيات ومشاعر الحب قد تغيرت في سنوات الوباء وأصبحنا نعبر عن مشاعرنا على الطريقة الهنديَّة في جمع راحتي اليدين أمام الصدر مع الانحناءة قليلاً.
وأصبحنا نستبدل عاطفة المصافحة والتقبيل بالابتسام عبر العيون، الحلم ممكن أنْ يصبح حقيقة يا سادة، فأصعب الأحلام التي كنا نظن تحقيقها من المستحيلات بدأت بأحلام اليقظة ومن ثم التفكير والتخطيط لتنفيذها.
إذا تكاتفنا مع بعضنا البعض من الممكن جداً أنْ نسمع بيان الانتصار على الحرب الجرثوميَّة التي عشنا جميعاً أيام وشهور وجعها ومخاوفها.
حرب لم ترحم شيبة ودمعة رجل مسن أو براءة طفل صغير.
بإمكاننا أنْ نطوي صفحات هذه الحرب ونودع البحث عن أدوية تخفف السعال الخانق أو الحرارة التي غيرت من ملامح كل ضحية بسبب الجهل من حقيقة شراسة الفيروس أو من باب قلة الوعي من مبدأ «كل واحد فينا يموت بيومه». بإمكاننا أنْ ننهي البحث عن تجّار اسطوانات الأوكسجين أو البحث عن قبر لدفن من نحب بسعر مناسب، فهذا الوباء جعل فيه المصاب يعيش ويموت ذليلاً، ومن كنت تظنهم أصدقاء العمر تهربوا من الحضور لجنازتك خوفاً من التقاط العدوى منك حتى وأنت داخل تابوت.
فيروس كورونا ليس مزحة، لقد أصبحنا من أكثر الشعوب التي تتنافس على التعاسة وابتلاع سكرات الموت.
وأكثر المغردين على نشر النعوات الفيسبوكية وأكثر المعلقين «الله يرحمه» و»الله يرحمها» من دون أنْ نتعظ من تجارب من رحلوا.
ضحايا جائحة كورونا ليسوا أرقاماً، فكل واحدٍ منهم قبل إصابته كانت لديه أحلام وآمال وطموحات في هذه الحياة، ولكنَّ هذه الأحلام والآمال ماتت في رحيلهم.
كل ضحية استهتر بهذا الوباء اللعين كانت لديه أسرة تنتظر خبر شفائه ولديه والدان يحبانه، أو اطفال ينتظرون أنْ يُفتح باب الدار لتدخل أمهم أو أبوهم المصاب ويعودون لأيامهم الطبيعيَّة المفعمة بالحب والحنان التي يعيشونها في ظلهم.
لقد أصبحنا أكثر الشعوب المحركين للبحث في اليوتيوب عمن يحيي ضحكاتنا، وكل الكوميديا المعروضة ما عادت تُضحكنا.
أصبحنا نشم رائحة الموت ونأخذ صور السيلفي للجثث ودموع الثكالى والأيتام من بعد موت المعيل من دون أنْ يرفّ لنا جفن وكأنك تظن لأنك لم تُصب إلى الآن فأنت بمأمن.
بالإمكان أنْ يصبح الحلم حقيقة إذا التزمنا الوقاية المطلوبة، إذا تنازلنا عن جهل مخاطر اللقاحات التي توفرها كل دولة لمواطنيها.