الصين تتعاون مع اليابان سينمائياً

بانوراما 2021/05/31
...

  تال بينتشيفسكي
  ترجمة: بهاء سلمان
عندما تشاركت صناعة السينما الصينية مع هوليوود سنة 2011 لإنتاج فيلم “زهور الحب”، بطولة الممثل كريستيان بيل، كانت الخلفية للرواية المهولة، والوحشية أحيانا، للغزو الياباني لمدينة نانجينغ الصينية. 
هذا لم يكن مفاجئا، فمشاهد تصوير الأفلام المتعلّقة بالحرب الصينية اليابانية الثانية، والتي جرت أحداثها بين العامي 1937 و1945، وانتهت باستسلام ياباني غير مشروط، وضحايا من الجانب الصيني تقدر بنحو 35 مليون فرد، قد عملت مطوّلا كتوليفة رابحة بالنسبة لمنتجي الأفلام الصينيين. لكن الآن، يبدو أن طريقا جديدا للنجاح يظهر بالنسبة للأفلام الصينية، وبشراكة بعيدة الاحتمال مع العدو التاريخي: اليابان.
وتجدد التنافس السياسي والعسكري بين عملاقي آسيا الاقتصاديين خلال السنين الأخيرة، مع نزاعهم حول كل شيء، من المزاعم بسرقة الملكية الفكرية إلى التوترات الخاصة برقعة محددة من بحر الصين الشرقي التي يطالب بها الطرفان. لكن بعيدا عن تلك المعارك، يبرز تحالف ربما يؤدي إلى إنهاء صورة اليابانيين غير المألوفة التي هيمنت على الأفلام الصينية على مدى عقود؛ كما ان العلاقة المتقلّبة بشكل متزايد بين القوتين تبشّر أيضا ببعض من أكثر أفلام العالم حيوية وملحمية.
من بينها، يبرز فيلم {أسطورة قط الشيطان}، المنتج سنة 2017، وهو فيلم ملحمي خيالي أسهمت الصين واليابان بانتاجه، بقيادة صانع الأفلام الصيني تشين كيج، ومبني على رواية بقلم الكاتب الياباني باكو يوميماكورا. وبقيمة انتاج وصلت إلى 170 مليون دولار، يعد هذا العمل التعاون المشترك الأكبر لغاية الآن بين الدولتين. كما شهد العام الماضي انتاج شركتين صينيتين معروفتين لفيلم مستند الى رواية {معجزات متجر ناميا}، لكاتبها كيجو هيغاشينو، أحد أكثر مؤلفي الغموض والتشويق شهرة في اليابان.
 
توجه كبير
أما فيلم “مطاردة”، الصادر سنة 2017 من قبل اسطورة صناعة الأفلام الصينية جون وو، فهو اعادة انتاج فيلم ياباني مستند إلى رواية يابانية وجدت لها جمهورا غير محتمل داخل الصين، حينما صدرت الرواية سنة 1976. وكشفت شركة زهيجيانغ جينك لانتاج الأفلام العام الماضي، خلال مهرجان كان للأفلام، عن أنها بصدد إنتاج جميع الأعمال غير المكتملة تقريبا لاسطورة صناعة الأفلام اليابانية اكيرا كوروساوا.
وشهدت بداية هذه السنة توقيع البلدين لاتفاقية مهمة للإنتاج المشترك لتفعيل تعاون وتقريب أكثر لصناعة الأفلام الصينية واليابانية، والمصنفتان الثانية والثالثة على التوالي وفقا لواردات شبابيك التذاكر المحلية بعد الولايات المتحدة. {سيكون هناك مزيد من الأفلام المقتبسة من روايات يابانية، وخصوصا للكاتب كيجو هيغاشينو} كما تقول ديبي ليونغ، مديرة الشراكة الستراتيجية لشركة أفلام امبرور موشن؛ وربما ستعتمد المزيد من الاقتباسات من أفلام الرسوم المتحركة اليابانية، مثل {نكهات الصبا}.
السبب وراء هذا التحوّل باتجاه الشراكة مع اليابان هو الصعوبات الاقتصادية، كما يشير مايكل بيري، أستاذ الدراسات الثقافية الصينية المعاصرة في قسم اللغات والثقافات الآسيوية التابع لجامعة كاليفورنيا، ويضيف: {شهد العقد الماضي على أقل تقدير دخول هوليوود كسوق رئيس لصناعة الأفلام الصينية من خلال الإنتاج والتعاون المشترك وإستقدام ممثلين كبار من هوليوود}.
هذا الحال تغيّر سنة 2017، مع التحوّل عن هوليوود، أو تخفيض التعامل معها بشكل كبير. أتى هذا التغيير الهائل على أثر بعض من الهبطات المفاجئة الضخمة لواردات شباك التذاكر، أبرزها ما حصل لفيلم الممثل مات ديمون {السور العظيم}. بالوقت نفسه، اتخذت الصين قرارا بمنع تأثير الثقافة الشعبية الكورية على جمهورها الداخلي، وهو بمثابة رد على إعلان كوريا الجنوبية العام الماضي عن نيّتها لشراكة مع الولايات المتحدة بنظام صواريخ دفاعية. يقول بيري: {بالتالي، إذا استبعدنا هوليوود وكوريا الجنوبية خارج المعادلة، ستمثل اليابان الرهان القادم}.
 
أعمال سابقة
ولا تعد الشراكة في عالم الأفلام بين الصين واليابان أمرا مفاجئا بالضرورة، كما يضيف بيري: {أنا اعتقد بوجود الكثير من القواسم المشتركة بنقاط تتعلق بالأمور الجمالية والأنواع الإنسانية لشرق آسيا. لننظر فقط إلى الساموراي، فمسألة ترجمة أفكارهم تكون على الدوام أسهل بكثير من الشخصية الغربية، على سبيل المثال}. 
لم تكن هذه الشراكة غير مسبوقة بشكل كامل، فقد شهدت مرحلة الإصلاحات الصينية في بداياتها خلال الثمانينيات بعضا من التعاون المشترك البارز. وعلى مر السنين، أثبتت أفلام الساموراي الصينية شعبيتها داخل اليابان، كما هو أثر الأفلام المتحركة اليابانية الرائعة عند جمهور الصين، التي أطلقت صناعتها المتنامية الخاصة للأفلام المتحركة في السنين الأخيرة. بيد أن التعاون المشترك بين البلدين كان شحيحا لغاية سنة 2017. حاليا، لا يعوّل صانعو منتجو الأفلام اليابانيون فقط على النجاح الواضح لبعض الأفلام في البلدين، بل يبحثون بكل ما يتمكنون من قدرات عن فرصتهم داخل السوق الصينية.
وتبقى هناك تحديات تواجه هذه الرومانسية الناشئة، فإلى أي مدى ستعتمد حالة التعاون المشترك بين البلدين بقطاع الأفلام على سياسة الصين، بحظر المحتوى الكوري الجنوبي والتوترات السياسية المتصاعدة حول بحر الصين الشرقي، بحسب ليونغ.
إلا إن الشراكة المتزايدة تصنع فارقا بالفعل، فهي أمر جيّد بالنسبة لصناعة الأفلام اليابانية، بحسب تشيكاكو سوزوكي، منتج أفلام ياباني، ويضيف: “الأمر يتعلّق بفتح عقولهم ومحاولة إيصال الأفلام إلى أماكن أخرى”. أما في الصين، فهي تساعد على إعادة صياغة القصص السردية، فعلى مدى عقود، تم تصوير الجنود اليابانيين كعدو شرس ضمن السينما الصينية، وتعرض الشخصيات للسب، والإبادة غالبا، بتفاصيل مروّعة. 
أما الآن، فبالنسبة لصناعة الأفلام الصينية، تعد اليابان أيضا صديقا محببا.