كرماء النسب سيتمكنون من الاحتفاظ بكرامتهم في المجتمع

ريبورتاج 2021/06/01
...

 عذراء جمعة
يولد الانسان وتفرض عليه الحياة اموراً لا يختارها بنفسه، بل يعمل الواقع على اجباره عليها ولا يتمكن من تغييرها، لكونها اصبحت ثوابت، ومنها ولادته يتيماً ويبدأ مشوار اليتم معه والمعاناة النفسية، او أن يولد مجهول النسب ويبدأ الشخص خوض حياته الى أن تفاجئه الظروف بمعرفة اهله، ويأتي في الجهة الاخرى موضوع التبني من هاتين الفئتين، لتولد معاناة جديدة للشخص المتبنى، وعلى الرغم من كل ما يعانيه الفرد من الظروف المفروضة عليه، هل يتمكن من الاحتفاظ بكرامته في المجتمع؟.
قال رئيس قسم رعاية الاسرة في المديرية العامة للرعاية والتنمية الاجتماعية في السليمانية اراس ناصر صالح لـ «الصباح» ان «الشروط الواجب توفرها لايواء الايتام في دور الدولة وفقاً للقرار رقم 5 لسنة 1986 ترجع الى قانون رعاية الاحداث لسنة 1983 واهم الشروط هي : أن يكون عراقيا او فلسطينيا، وفاقدا لاحد الوالدين او كليهما، ويكون احد الوالدين اما مسجونا او مفقودا، عدم اهلية الطفل، اي لا يوجد شخص يضمه، الا يزيد عمره عن 18 عاما»، منوها بأن «عند توفر احد هذه الشروط او اثنين منها سوف يتم تسلم الطفل وايواؤه في دور الايتام من قبل دائرة الرعاية الاجتماعية، ومن الممكن ايواء الطفل من عمر يوم واحد الى 18 عاما، ويقوم الباحثون الاجتماعيون والباحثات النفسيات بتهيئة الطفل بطريقتين، احداها أن يؤهلوه لارجاعه الى اهله اذا كان واحدا من افراد اسرته موجودا مثل والده او عمته او احد الاقرباء، اما الطريقة الثانية فاذا كان الطفل لا يوجد لديه اي احد، يعمل الموظفون على تهيئته للعيش في دور الدولة لعمر
18 عاماً».
 
بيوت
ولفت الى أن الاطفال في دور الدولة يدرسون بالمدارس الحكومية داخل السليمانية، وفقا لمراحلهم الدراسية ولا توجد لديهم مدارس خاصة ويستمرون بدراستهم لحين تخرجهم في الجامعة، ويوجد بيت للاطفال الرضع من عمر (0 الى 4 سنوات)، وبيت للاطفال من عمر (5 الى 12)، وبيت للاحداث من عمر (12 الى 18)، فضلا عن بيت البنات من عمر (5 الى 18)، وبيت البابان (المشردون) من
عمر (12 الى 18)، وهؤلاء لا يذهبون الى المدرسة لان لديهم مشكلات ويبقون شهرا او شهرين الى أن تحل مشكلاتهم ويرجعون، ويعتبر وضعهم وقتيا واحيانا يكون معقدا يستمر لسنة او اكثر، مبيناً بالنسبة للتبني من دور الايتام فهو امر تقرره المحكمة، ولدينا مشروع (الاسرة البديلة) وهو يعني ان الاطفال الموجودين في دار الايتام وخاصة في بيتي الرضع والبنات تكون لديهم مشكلات من قبل اسرهم او بسبب اجراء الطلاق بين الوالدين يأتون بهم الى دار الايتام ويتم تسلمهم من قبل الاسرة البديلة بموافقة الاسرة البايولوجية، منبها الى ان الاسرة البديلة يتم ادخالها في دورات لحماية الطفل والاهتمام به، وبدورنا نعمل على متابعة كل ما تقوم به الاسرة البديلة من الناحية الصحية والاجتماعية والنفسية تجاه الاطفال، فضلا عن اجراء تقييم لاداء الاسرة البديلة من قبل موظفي الرعاية الاجتماعية، مفيداً بأن الاسرة البديلة تتسلم الطفل لمدة قد تكون ستة اشهر او سنة او سنتين حسب ظروف الاسرة البايولوجية وانتهاء المشكلة التي يعانون منها واذا لم تحل المشكلة سيبقى الطفل عند الاسرة البديلة حتى سن 18 عاما، وبعدها هو يقرر البقاء معهم ام مع اسرته
الاصلية.
 
مجهولو النسب
وبين صالح أن «عدد الايتام في بيت البنات (15) و (14) في بيت الرضع، و(18) في بيت الاطفال، و(12) في بيت الاحداث، و(8) في بيت البابان، ومن اهم التحديات التي تواجه العمل بالجانب النفسي والاجتماعي مع الايتام انهم من عمر 18 الى 63 عاما لا يوجد لديهم مكان ايوائي»، منبها الى ان الايتام يبقون في الدار بعد سن 18 عاما اذا كانوا مستمرين بالدراسة، سواء كانوا ذكورا او اناثا، اما الذين لم يستمروا بالدراسة فتبحث لهم دائرة الرعاية عن عمل ويبقون في دور تراعي ظروفهم، مشيرا الى ان البعض منهم يتخرجون في الجامعات ويعملون وتنظر الحكومة الى هذه الفئة بعين الاعتبار في التعيين ويخرجون من الدار، وبعض البنات يتزوجن ويتركن الدار طوعيا، منوها بأن مجهولي النسب يتم اقرار وضعهم من قبل المحكمة بسبب عدم الاهلية، ولكن يتم تسلمهم واستقبالهم في دور الدولة للايتام بعد اقرار المحكمة لوضعهم من الناحية القانونية وتسليمهم هوية خاصة للانضمام الى دور الدولة للايتام، مؤكدا وجود طفل واحد مجهول النسب في دورنا، لافتا الى الدور المتميز الذي يقوم به الباحثون الاجتماعيون والمرشدون النفسيون، اذ يبذلون جهودا مضاعفة مع الاطفال الى أن ترجع حالتهم طبيعية ويتعاملون مع كل المحيطين بهم بشكل طبيعي داخل الدار وخارجها من خلال البرامج المكثفة التي تستخدم معهم، مضيفا يتم تنظيم سفرات ترفيهية للاطفال في الدور، فضلا عن اقامة الدورات الصيفية لمدة شهرين، وتشمل اللغتين العربية والانكليزية والموسيقى والنشاطات
الرياضية.
 
قرارات
ويرى القاضي ناصر عمران الموسوي في حديثه لـ «الصباح» ان قانون الاحوال المدنية رقم 23 لسنة 1974 حدد الطريقة التي يسجل بها مجهول النسب في المادة (24) وهي من آليات تنظيم تسجيل مجهولي النسب، ومن في حكمهم وجاءت ببنود مهمة تضمنت كيفية تسجيلهم، مشيرا الى أن بنده الاول ينص على أن تدون شهادة ولادة مجهول النسب الصادرة وفقا للقانون تسجيل الولادات والوفيات عند تسليمها في سجل مجهولي النسب المعد في ديوان المديرية، منوها بأن البند الثاني يتضمن تنظيم من تم الحاقه باسرة او اي شخص، اذ يرحل مجهول النسب من السجل المذكور في الفقرة 1 من هذه المادة الى صحيفة طالبي الالحاق في السجل المدني بقرار من المدير العام، استنادا الى القرار الصادر من المحكمة المختصة بشأن الحاقه على الا يتضمن قرار المديرية او القيد في السجل المدني ما يشير الى ظروف الولادة، مؤكدا ان البند الثالث منه يشير الى ترحيل قيد مجهول النسب الى السجل المدني، بناء على طلب المؤسسة او دار الايتام المودع فيها في حال عدم صدور قرار من المحكمة المختصة بالحاق مجهول النسب بأحد، موضحا وفي البند الرابع تنظم حالة التسجيل التي لم تجد طلبا من المؤسسة او الحاقا بأحد طبقا لقرار محكمة الاحداث.
 
السريَّة وسجل اللقطاء
واشار الموسوي الى انه في حالة عدم صدور قرار من المحكمة المختصة بالحاق مجهول النسب وعدم طلب المؤسسة ذلك ومرور سنة واحدة على تسجيله في سجل اللقطاء، يقرر المدير العام ترحيل القيد الى السجل المدني في صحيفة خاصة بالمؤسسة او دار الايتام المودع فيها، مضيفا ان البند الخامس تم تنظيمه للايضاحات الواردة في القيد للحالات المنظمة، اذ نص في حالة مجهول النسب وفق الفقرتين (3و4)، اذ ان هذه المادة وصدور قرار نهائي بالالحاق من محكمة مختصة بعد ذلك يرحل القيد بقرار من المدير العام الى صحيفة طالبي الالحاق طبقا للايضاحات الواردة في قرار المحكمة المذكور، منبها الى ان السجلات المنظمة لحالة مجهول النسب وظروف تسجيله تبقى محاطة بالسرية والكتمان ولا يشار الى ظروف حالته في السجل وهي من ضمانات المعالجة لحالة مجهول النسب، فضلا عن ان الاجراء الاول المتخذ من القاضي بشأن الاخبار عن حالة مجهول النسب هو ايداعه لدى المخبر لحين مفاتحة محكمة الاحداث بشأنه واتخاذ قرارها المناسب في تقرير مصيره، منوها بأن عند تعذر ايداعه لدى المخبر بناء على طلبه او لاي سبب كان فان للقاضي صلاحية ايداعه من اجل المحافظة عليه لدى مختار المنطقة او شخص معروف ويتعهد بالمحافظة عليه واعادته الى المحكمة لحين الطلب وتقرير مصيره من قبل محكمة الاحداث.
 
الحق في التعليم
وبينت عضوة جمعية العلاج النفسي العراقية والتدريسية في جامعة كلكامش الدكتورة اسراء كريم الزيدي المتخصصة بالارشاد النفسي لـ «الصباح» أن المآسي البشرية والاجتماعية التي حلت بالمجتمع لها اثر بالغ في جوانب عديدة، ويعد الاطفال اصحاب النصيب الاكبر منها، اذ تعتبر ظاهرة مجهولي النسب وبقاء الطفل بلا اهل يقومون برعايته وتربيته أكثرها وضوحا، مؤكدة على أن قيام احدى الاسر أو المؤسسة بتبني طفل والتكفل بتربيته ورعايته له أهمية كبيرة، إذ يجب أّلا يتعاملوا مع الأمر وكأنه موضوع تسلية أو لعبة أو أن يسمحوا لمزاجيتهم بالتحكم بالطريقة التي سوف يتعاملون بها معه، مؤكدة ان لهذا الطفل حقوقا، منها أن يتم التعامل معه وكأنه طفلهم الحقيقي وعدم تفرقته عن باقي الاطفال واشعاره بأنه أقل منهم، فضلا عن عدم السخرية منه أو الانتقاص، لأن ذلك يكون أقرب الى الاسترقاق منه الى التبني، كما يجب رعايته صحيا وتربويا والسعي للحصول على حقه في التعليم والدخول الى المدارس والمؤسسات التربوية، كي يتمكن من النجاح وتحقيق مستوى أفضل في المجتمع.
 
رعاية وحقوق
واوضحت الزيدي أن الكثير من الدراسات أشارت إلى أن الهوية مطلب أساس بالنسبة للانسان، لذلك حين تكون مشوهة أو غامضة تجعل البناء النفسي له هشاً أو مشوهاً، والسؤال الذي يطرح دوماً ما هو التوقيت المناسب لاخبار الطفل عن نسبه؟، الاجابة تتوقف على عوامل عدة ولكل طفل سيناريو خاص مناسب له، لكن أفضل وقت هو ما بين الثانية والرابعة من عمره، إذ يتم اعطاء معلومات عن الموضوع بطريقة مبسطة تناسب مرحلته العمرية، اذ ان هذا الطفل قد جاء الى الحياة بغير ذنب جناه ويقول الباري عز وجل (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) لذا فمن أبسط حقوقه أن ينعم بالحياة كأي طفل وأن تبذل كل الجهود لرعايته كي ينشأ بشكل اقرب للطبيعي، وأن نحفظ له كرامته كإنسان وندعمه بتشكيل هويته النفسية.