الفضائيون.. وظائفُ مزيَّفةٌ وأسماءٌ وهميَّةٌ وتلاعبٌ مزوّرٌ لتكريس الفساد

ريبورتاج 2021/06/03
...

  علي لفتة سعيد
 
تصريحات 
قد يكون تصريح رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في ديسمبر/ كانون الاول من العام 2014 المنصّب وخلال كلمة له عند استضافته من قبل مجلس النواب العراقي، ولفت الى ان هناك 50 ألف اسم وهمي (فضائي) في أربع فرق عسكرية، خلال شهر واحد، من بين نحو 17 فرقة عسكرية، وبـثلاث قيادات برية وجوية وبحرية، يتكون منها الجيش العراقي الحالي الذي تأسس بعد عام 2003.
 
صدمة المواطن وغياب الحلول
الامر الذي شكل صدمة كبيرة في الوسط العراقي رغم انها ليست كبيرة، لان الموطن بدأ يستشعر بوجود كل شيء يقود الى الفساد، وهو ما أكدته وزارة التخطيط وتقول انها تعمل من اجل السيطرة على الاعداد الكبيرة للموظفين التي تفوق حاجة الدولة، ومن بينهم من يطلق عليهم (الفضائيون) بعد أن بلغت تخصيصات رواتب موظفي الدولة بحسب بيانات الحكومة العراقية أكثر من خمسة مليارات و500 مليون دولار في العام 2014 وقت ظهور المصطلح، تدفعه لما يقرب من 10 ملايين عراقي، بينهم ستة ملايين موظف واربعة ملايين موزعين بين المتقاعدين والمستفيدين من شبكة الرعاية الاجتماعية وهيئات مستقلة أخرى، وان الفضائيين يتواجدون ايضا بين هذه الفئات، خاصة الرعاية الاجتماعية والمتقاعدين.
 
عمل التخطيط
وزارة التخطيط تريد الوصول الى العدد الحقيقي للموظفين، وأيضا الوقوف على العدد الحقيقي للفضائيين وحتى مزدوجي لرواتب، وهو مصطلح للموظف الذي يستلم أكثر من راتب من الدولة، عبر قوانين تم اصدارها من قبل مجلس لنواب، كأن يكون سجينا سياسيا في زمن النظام السابق، أو لديه شهيد او ما أطلق عليهم بالرفحاويين، الذين هربوا من بطش جلاوزة النظام السابق في عاصفة الصحراء العام 1991 ابان الانتفاضة الشعبانية الى السعودية في منطقة (رفحة) السعودية، الوزارة وعبر بياناتها وتصريحاتها أكدت سعيها على تقصي الحقائق والكشف عن الفضائيين، ومنها ما قالته في تصريحات سابقة من ان {الوزارة أدخلت حتى الآن أكثر من مليونين و500 ألف رقم وظيفي لقاعدة البيانات، كما تم تشكيل فرق جوالة لزيارة المؤسسات ودوائر الدولة التابعة للوزارات والمحافظات، لغرض إكمال قاعدة البيانات المذكورة قبل نهاية العام الحالي} وأضاف في تصريحه أن {قاعدة بيانات الموظفين ستعطي تفاصيل عن الجسد الوظيفي وتكشف عن العدد الحقيقي للموظفين وعدد الوهميين منهم}.
 
تغولٌ وفسادٌ
ويقول المحلل السياسي والقانوني حميد الهلالي إن {الفضائيين مصطلح طارئ استخدم للدلالة على وجود درجات وظيفية ورواتب تدفع من دون وجود اشخاص يمارسون الوظيفة الادارية بشتى انواعها، أمنية كانت ام مدنية، وهذه الرواتب تذهب الى جيوب الفاسدين الذين توغلوا بهذه الاساليب غير الاخلاقية}،  ويضيف ان  {الفضائي كوجود ارتبط بوجود هذه الكتل والاحزاب التي تبحث دائما عن تبويب للسرقة وشرعنة للجريمة، فهي رواتب تمنح للوزارات والهيئات المستقلة وتدخل في موازناتها، وتشمل طيفا واسعا من سجناء وشهداء ومنتسبين وهي افساد للخلق وللخلق الوظيفي}.
وأكد انه لا يمكن اجراء اصلاح مالي واقتصادي حقيقي من دون انهاء هذا الملف ومعالجته بصورة جذرية، لأن إنهاءه هو خطوة في مجال تحقيق العدالة، وهو يمنح الدولة حيزا من المناورة وايجاد درجات وظيفية قد تغطي الحاجة الماسة لإيجاد فرص عمل للخريجين، وهو يمثل ضربة قاصمة للأحزاب التي جعلت منه بابا لدعم مخططاتها والاثراء غير المشروع، مؤكدا ان انهاء هذا الملف يجسر الهوة بين الدولة والشعب والذي يتطلع لأن يكون مجلس الخدمة هو الوحيد المختص بالوظيفة العامة}.
 
دوائر استخباراتيَّة
وأضاف الخبير الاقتصادي طارق الكناني: {لا توجد إحصائية واضحة بأعداد الموظفين الوهميين او الفضائيين، لكنه امر موجود وحتمي، معبرا عن دهشته بموافقة الدولة على منح اكثر من راتب للموظف، مشيرا الى ان الامر لا يصدق ألا تقوم الجهات المعنية بالكشف عن الفضائيين، الذين لا يعملون ويدفعون نصف رواتب لمسؤوليهم، وهذه موجودة مثلا وبشكل واضح في الاجهزة الامنية، ولفت الى ان الامر يحتاج الى تحويل دوائر النزاهة الى دوائر استخباراتية للوصول الى الحقيقة، لكن الكناني يستدرك فيقول عن سبب تفشي الظاهرة واتساعها رغم الحديث عنها منذ سنوات طويلة، لان لا عقوبات صارمة بحق المزورين منذ البدء والتهاون والتقاعس والتمديد في مفاصل الدولة لبعض الجهات سهل عملية وجود الفضائيين، الذين يدرون مليارات الدنانير شهريا عليها، منوها بأن السبب ايضا يكمن في أن الحكومات العراقية ولوفرة السيولة النقدية، وارتفاع اسعار النفط الى أكثر من 110 دولارات للبرميل في بدئه، فإنها عينت الملايين ومنحت جهات رواتب جهادية وما يطلق عليهم (المظلومية) من النظام السابق، وعدم وجود دوائر رقابية سهل وجود الفضائيين في الدولة العراقية كلها حتى في الجهات الرسمية العليا. ولفت الكناني الى ما يقول عنه وجود قضية مهمة وهي قانون السجناء السياسيين، حيث شمل هذا القانون كل المسفرين وأبنائهم واحفادهم، وتم تعويضهم بأثر رجعي منذ ولادتهم، وتم منحهم ملايين الدنانير كتعويضات، علما بأن أعمارهم لا تتجاوز الثمانية عشر عاما او كحد اعلى عشرين عاما، اي ان ولادتهم كانت خارج العراق، وهذا الاجراء او القانون انهك صندوق التقاعد، وكان سبب إفلاسه تماما لكثرة التجاوز عليه مع وجود اسماء فضائية ايضا ووهمية}.