الحياة تعانق جانبي الموصل من جديد

ريبورتاج 2021/06/06
...

  شروق ماهر 
بعدما تعرضت له من دمار شامل على أيدي عصابات داعش الارهابية خلال العمليات العسكرية لتحرير الموصل في منتصف عام 2017، عادت الحياة مجدداً الى جانبي الموصل وتحديداً الجانب الايمن، وتشهد مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بجانبيها (الايسر والايمن) حملات اعمار، اذ يعد الجانب الأيمن أصغر مساحة من الجانب الأيسر، ولا تتجاوز مساحته 40 بالمئة من المساحة الإجمالية للموصل، ومع ذلك فهو يضم أكثر من نصف أحياء المدينة.
 
الكثافة السكانيَّة
تعد الموصل ثاني أكبر مدينة عراقية من حيث السكان بعد العاصمة بغداد، ويتميز الجانب الغربي بكثافته السكانية العالية، اذ تقدر الأمم المتحدة عدد السكان المتبقين فيه بحوالي 800 ألف نسمة، ويعد  الجانب الأيمن هو أصل مدينة الموصل، ويطلق على بعض أحيائه الموصل القديمة، اذ يمتاز بأحيائه العتيقة وتقارب مساكنه وضيق أزقته.
ويضم الجانب الأيمن أهم المباني الحكومية (حوالي 20 دائرة حكومية)، وعلى رأسها مبنى مجلس محافظة نينوى، ومطار الموصل الدولي ومعسكر الغزلاني اللذان استعادتهما القوات العراقية، إضافة إلى المقر الرئيس لمحكمة نينوى، ومديرية الشرطة وقيادة عمليات نينوى.
اما عدد سكان محافظة نينوى، فيبلغ حالياً خمسة ملايين نسمة، ويقطن نصفهم تقريباً في الجانب الايسر، لزيادة عدد احيائه وكثرة المباني الجديدة التي شهدها بعد التحرير، اذ لم يتعرض الجانب الايسر الى نسبة تدمير عالية خلال عمليات التحرير لعدم تمركز عصابات داعش داخله، اذ تتمركز اغلب الاسر الموصلية في الجانب الايسر لجمال اطلالته على نهر دجلة، ووجود غابات الموصل مع حداثة المولات والمجمعات السكنية، الى جانب وجود احدث المجمعات التسويقية والمطاعم الجميلة التي حدثت على الطراز التركي، وبناء مشاريع سياحية وملاهٍ للأطفال، ويضم ايضاً عشرات المواقع الأثرية.
 
حملة الإعمار
وتشهد مدينة الموصل مركز محافظة نينوى منذ الاعلان عن تحريرها رسمياً من قبل القوات الأمنية العراقية حملة اعمار كبيرة وواسعة، وتحديداً  في الجانب الايسر الذي اعيدت له الحياة مجدداً بالكامل، بينما يشهد الجانب الايمن من مدينة الموصل القديمة حملة اعمار مستمرة، لكن ارتفاع نسبة الدمار في الموصل اخفى جمال مواقعها، وبالرغم من ذلك فان حملة الاعمار الجديدة تعمل اليوم على اعادة ترميم مبانيها واعادة منازلها والدوائر الحكومية المتمركزة فيها، والتي اعيدت بنسبة 40 % داخل ايمن الموصل.
 
2500  منزل مدمر
وتمكنت الفرق الهندسية التي تحاول النهوض بازقة الجانب الايمن من الموصل مع عودة سكانه النازحين منذ اعلان التحرير رسميا، من بناء وترميم المباني المدمرة والمساكن، واغلبها داخل المدينة القديمة، وقال قائممقام الموصل زهير الاعرجي في تصريح لـ {الصباح} ان  {حملة اعمار الموصل الجديدة لعام 2021 شهدت الشروع بإعمار نحو 2500 منزل مدمر، وابرز الجوامع والكنائس التي دمرت من قبل داعش في ايمن الموصل، اذا شرعت الملاكات الهندسية والفنية في بلديات نينوى بإعمارها، وهي ضمن مشاريع اعمار المنازل المدمرة منذ منتصف شهر شباط الماضي، وما زالت بصدد حملة الاعمار فيها، اذ تشكل حملة الاعمار داخل الجانب الايمن نسبة كبيرة مقارنة بالجانب الايسر، الذي لم يشهد دماراً كبيراً كما في الجانب الايمن}.
واضاف الاعرجي لقد تم تمويل {اعمار هذه المنازل من مبالغ الاعمار والاستقرار، وسينتهي في شهر ايلول المقبل}.
وبين الاعرجي {وفي الجانب الايمن انتهت ايضا من حملة رفع انقاض الجوامع المدمرة والكنيسة الكاثوليكية والكلدانية وغيرها من المباني المدمرة في مناطق ايمن الموصل للبدء باعمارها}.
 
100  مليار دينار
اما في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، فبدأت حملة اعمار جديدة وبأمر من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، اذ أمر باعمار شامل لجانبي الموصل، وبسقف زمني من خلال اعادة الحياة للمباني المدمرة مع عودة جميع النازحين اليها، اذ اعلن المدير التنفيذي في اللجنة العليا لاعمار الموصل عبد القادر الدخيل بمتابعة سير حركة الاعمار الثانية لجانبي الموصل، بعد تخصيص وصرف 100 مليار دينار من قبل اللجنة، للبدء باعمار المواقع المدمرة في مركز محافظة نينوى. 
وقال الدخيل في تصريح لـ {الصباح} ان {اللجنة تسلمت المبلغ الكلي المخصص لها وهو 100 مليار بعد أن تم تقديم كشوفات بالاحتياجات الضرورية السريعة بمبلغ 70 ملياراً، وتبقى في الحساب 30 ملياراً للفترة المقبلة}.
وتابع الدخيل ان {المشاريع التي سوف تنجز بعد الشروع بالاعمار هي، تأهيل كورنيش الموصل الذي يمتد من منطقة الجوسق الى المحكمة بايمن المدينة، وتأهيل وصيانة عدد من شوارع المدينة، ومنها شارع الصناعة القديمة، وشوارع الموصل الجديدة، و حي الثورة، ووادي حجر، واليابسات، وتطوير الشارع الممتد من نفق القصور الى الرشيدية، فضلا عن اعادة اعمار بنايات القطاعات البلدية وعددها 4 وهي، قسم الحدباء، وقسم الموصل الجديدة، وقسم الربيع، وقسم السلام، وبناية هندسة المرور، مع تطوير3  مداخل للموصل، تتضمن قلع وتبليط الشوارع والجزرات الوسطية والانارة}. واوضح الدخيل {اضافة لاعمار مدخل الموصل - بغداد فقد تزامن ذلك مع تبليط الطريق من الموصل الى الكيارة، ومدخل سيطرة كوكجلي الى حي عدن، ومدخل تلعفر موصل ربيعة}، لافتاً الى أن {هذه المشاريع لم يحدد لها اي سقف زمني لحين الانتهاء منها خلال هذا العام}.
 
عودة النازحين
ومع عودة حملة الاعمار التي شملت جانبي الموصل الايسر والايمن، تمت اعادة نسبة عالية من النازحين الى مناطقهم، مع عودة جزء كبير من الخدمات لمدينة الموصل.
وقال محافظ نينوى نجم الجبوري في تصريح لـ {الصباح} ان { 45 % من النازحين قد عادوا الى مناطقهم  في عموم محافظة نينوى، بعد تهجير دام لاكثر من خمسة اعوام}.  
الجبوري اوضح لـ {الصباح} ان {النازحين الذين عادوا بعد توفير الخدمات واعمار اجزاء كبيرة من البنى التحتية في عموم محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل شكلوا نسبة عالية، الا أن مناطق سنجار والبعاج هي الأقل في نسبة العودة حتى الان}.
 مبيناً أن {محافظة نينوى تطالب وتسعى جاهدة لعودة النازحين الذين مازالوا داخل المخيمات، وتسعى لايجاد الحلول لعودتهم لانهاء وغلق ملف النازحين في عموم محافظة نينوى}.
واضاف الجبوري بأن {الجهود مستمرة من اجل خلق البيئة المناسبة وإعادة تأهيل البنى التحتية، وتوفير الظروف المناسبة لعودة النازحين الى مناطقهم}.
عشاق الموصل
تدافع اغلب سكان الموصل القديمة والجانب الايمن للحديث عن ذكرياتهم وآمالهم بالعودة مجدداً للسكن في منازلهم ومناطقهم التي غادروها قسرا، بعد ارتفاع نسبة الدمار لمدة لا تقل عن خمسة اعوام، في هذه المناطق الجميلة التي تعد مناطقهم الاصلية التي تربوا فيها وربوا اجيالا اخرى، اصبحت مستقبل الموصل التي تنهض اليوم مجددا على يد هؤلاء الشباب الذين تطوع اغلبهم لخدمة مناطقهم المحررة، وقدموا اليها حملة من التنظيف ورفع الانقاض مع اعمار المنازل المدمرة بنسبة لا تزيد عن 25 % ليتمكن اغلب سكانها من العودة اليها.
وقال الحاج سامي النعيمي من سكنة ايمن الموصل ان {العودة الى سكني في الجانب الايمن تشدني كثيرا، حتى لو جلست لوحدي يأخذني حنين الذكريات ولا يتركني الا والدموع تتساقط على خدي، وآمل بالعودة لمنزلي الصغير والجميل الذي تركته عصابات داعش ركاما في ايمن الموصل، وقتلت فيه اجمل الذكريات، لكنني مع عودتي من النزوح  في منتصف عام 2020 مع اسرتي سكنت مخيمات الخازر لمدة لا تقل عن ثلاثة اعوام، وعدت للسكن بعد محاولات لايجاد منزل بالقرب من الزقاق الذي اسكن فيه لحين ترميم منزلي، حتى لا تتلاشى مني هذه الذكريات التي زرعت بداخلي واستوطنت بقلبي منذ عشرات السنين، لذلك انا اعيش اليوم في زقاقي الجميل ولكن ليس في منزلي، حتى تكتمل فرحتي بالعودة لمنزلي الجميل بعد اعماره}.
 
من نيويورك إلى الموصل
اما السيدة ام احمد (60 عاما) فتقول وهي تقطن الان الجانب الايسر ومن سكنة الجانب الايمن ان {الحنين بالعودة للجانب الايمن يشدني كثيرا حتى ادركت بان حياتي انتهت منذ دخولي الجانب الايسر بعد تدمير احيائنا وازقتنا في المدينة القديمة التي تعد عشقي الابدي، فقد نشأت فيها لاكثر من 60 عاما، وعندما غادرتها كنت مرغمة لعدم وجود مأوى، ومع جمال وسحر مدينتي الجميلة الموصل الحدباء ام الربيعين في جميع جوانبها واحيائها، الا ان عشقي للمدينة القديمة والحنين لها لا  يوصفان اطلاقا}.
لكن الشاب خالد جمال يرى أن عشقه لمدينة الموصل بجانبيها مع ضفاف نهر دجلة وجمال غاباتها وشلالاتها، اجبره على العودة من مدينة نيويورك الاميركية التي سكن فيها لمدة عامين الى مدينة الموصل المدمرة، ورغم الدمار لكنها هي المدينة التي لا يستطيع العيش بعيدا عنها، اولا لكونها تحتوي على سكنه الاصلي، وثانياً  لأنها المدينة التي ترعرع ونشأ فيها. اذ يصف جمالها في حديثه {ان الموصليين كالسمك الذي يغادر الماء، فتراه يموت سريعا، وهذا حال اهالي وسكان الموصل الذين ماتت مشاعرهم بعد تهجيرهم القسري من مدينتهم الجميلة}.