مَنْ قال إن الصيف أبٌ للفقير

ريبورتاج 2021/06/07
...

 ذوالفقار يوسف
خضع للتعرق المستمر الممزوج بالأتربة، ولم يستطع اللحاق بقطراته التي صارت تهطل على عينيه كلما اقتربت الظهيرة، كان مخيراً بين الجلوس تحت ظل ما، او اكمال عمله في بناء المنزل، فصيف العراق هو صديق المعاناة، ورفيق التعب وضربات اشعة الشمس الحارقة، كل الاشياء ساخنة في هذا الوقت، كما اغلب ادوات المهن والحرف، لذلك فان موسم الصيف في العراق ابٌ قاسٍ على ابنائه العراقيين. 
 
وإن نسيت انك في هذا الموسم، فقد تتألم فور أن تمسك باب عجلتك من الخارج، او تقوم باصلاح احد اطاراتها المثقوبة في الشارع، اما ميكانيكي السيارات، فقد دخل جهنم منذ أن قرر العمل بهذه الحرفة، فتراه يتلوى تحت العجلة ويحارب قطع الغيار الساخنة وهو يحاول فكها قبل أن يذوب.
 
{أبو المصلحين}
وندب العراقيون حظهم بمقولة دامت كالمزحة في حياتهم كلما حضر موسم الصيف، فعند هجومه تلتصق الاجساد باجهزة التبريد ولا تريد مفارقتها، فالحرارة قد تصل الى 50 درجة سيليزية، واذا اردنا وصفها، فاننا نستطيع قلي البيض مع الطماطم تحت اشعة الشمس.
الحاج عبد الكاظم الفتلاوي عقب على سؤالنا له، هل الصيف أبٌ للفقير؟، ليقول: {الصيف {ابو المصلحين}، اكره هذا الموسم، وذلك لتراكم اعطال اجهزة المنزل فيه، فمضخة المياه تعمل بشكل مستمر بسبب الاستهلاك للماء في هذا الموسم، فضلا عن الحرارة التي تشب في قلب المضخة فتحرقها، اذ  استبدلت الى الآن ثلاث مضخات ماء، اضافة الى اجهزة التبريد ومبردات الهواء والمراوح، ولا انسى براد الاطعمة (الثلاجة) التي لا تستطيع القيام بعملها بشكل جيد بسبب شدة الحرارة، لذلك اضع مروحة صغيرة موجهة الى محركها لتبريده}.
الفتلاوي يبين ان {كل الاجهزة تستهلك بسرعة في هذا الموسم، فالحرارة قادرة على اذابة الدوائر الكهربائية التي في داخلها، ولا استثني اي جهاز كهربائي من العطل، لذلك اقوم باطفاء اي جهاز نحن لسنا بحاجة ماسة اليه في هذا الموسم}.
 
{Expired}
الكثير منا يكره هذه الكلمة والتي تعني تاريخ انتهاء صلاحية المنتج، ولكن هذا الامر في موسم الشتاء، اما في الصيف فقد تنتهي صلاحية الاطعمة والمنتجات والفواكه بسرعة قصوى بسبب الحرارة اللاهبة، فتنتشر البكتيريا في المعلبات، ويأكل العفن الفواكه، وتأخذ الاطعمة بالفساد في هذا الموسم.
وكما هي معاناة الاطعمة بسبب الحر تعاني ليلى جاسم (45 عاماً) في مقاومتها للحفاظ على ما تحتاجه اسرتها من الاطعمة الطازجة والصحية، وتقول: {كلما حضر هذا الموسم وانا اقاسي الامرين، واضطر للخروج تحت اشعة الشمس الحارقة للتسوق كل يوم خوفا من فساد الاطعمة، وقد واجهتني عدة مواقف عند شرائي للخضراوات، منها انها تفسد خلال يوم واحد فقط، لذلك الزمت اسرتي بأن يتحملوا اطفاء اجهزة التبريد وتشغيل براد الاطعمة بصورة مستمرة}.
 
{قهروباء}
حتماً سيلفظها العراقيون ممن عانوا من هذا الملف الخطير بهذا التعبير، انها الطاقة الكهربائية، تلك العزيزة المفقودة، لها جيوب قد خزنت بالاموال الطائلة منذ اكثر من 18 عاماً، الحبيبة الغائبة التي صارت الضيف الخفيف على المنازل، والرفيق المهاجر لكل مواطن، ورغم الوعود الكثيرة التي سمعناها وسنسمعها في الايام المقبلة، الا اننا تيقنا بأن الحلول معدومة في توفيرها بشكل يتلاءم مع عصرنا الحديث.
سليم العتابي يعاتب القدر لكونه ولد في هذا البلد، ويحدثنا بألم قائلا: {العراق هو الدولة الوحيدة التي تمتلك كماً هائلاً من الآبار النفطية، وموازنته لسنة واحدة تكفي ميزانيات اربع دول ولم يسيطر على ملف الطاقة الكهربائية، فنحن الى الان نستورد الغاز الذي يدخل في عملية توليد هذه الطاقة من دول الجوار، اضافة الى ذلك ان المواطن ليس لديه وعي صحيح في هذا الجانب، فالترشيد غائب، كما الوعي في استخدامات هذه الطاقة بالشكل الصحيح، فضلا عن وجود المولدات الاهلية التي صارت تحصيلا حاصلا، لتحل محل الطاقة الوطنية في البلد، فتشابكت الاسلاك لتكون سقفاً مقرفاً، وانتشرت على اعمدة الكهرباء لتعطي مظهر البؤس والتخلف}.
واضاف العتابي {لم يكن الصيف اباً للعراقي قط، ففي الشتاء تستطيع الاغطية أن تقوم بعملها عند النوم، اما في موسم الصيف فقد تنزع جلدك وتبقى تتلوى من حرارة الجو، وتقوم بغلق نوافذ عجلتك لتحميك من رياح البرد، ولكنك في الصيف تضع مراوح اضافية داخل عجلتك لتساعد اجهزة التبريد على مقاومة شدة الحرارة، او أن تشتري الاطعمة وانت واثق بان برد الشتاء هو من سيحميها من أن تفسد،  بينما تذهب للتسوق لاكثر من مرة في اليوم خوفاً من فساد الاطعمة بسبب حرارة الصيف}.