غفران حداد
من وجوه الجمال والسحْر أنَّ بيروت تسمحُ للمرء أنْ يعيشَ حياته فيها بِحُرية، من دون أنْ ينتقده المجتمع، ولا توجد فروقات في التعامل ونمط العيش بين المرأة والرجل المقيمين فيها.
فبإمكان الفتاة الباحثة عن العِلم أنْ تعيش وحيدة وتكمل دراستها من دون تعرضها للتحرش أو مضايقات جيرانها من الشباب العازبين، فلا يوجد تحرش ولا انتقاص أو نظرة دونيَّة، إلى جانب وجود أمن وشرطة مجتمعيَّة تضربُ بيدٍ من حديد لمن يعكر صفو حياة أي مواطن أو أجنبي.
الشاب العربي في أيامه الأولى للعيش في بيروت وحين يرى الانفتاح الكبير في طريقة ارتداء المرأة اللبنانيَّة للثياب، أو حين يدخل مقهى أو يتسكع في شارع أو حتى حانة حين يرى فتاة تجلس برفقة صديقها يظن أنها فتاة منحلة أخلاقياً خصوصاً أنه جاء من بلاد تحكم بعض فئاته المجتمعيَّة أنَّ الفتاة المدخنة غير ملتزمة أخلاقياً ويظن أيضاً أنها ستلبي طلباته لو عرض عليها المال والهدايا الثمينة.
نعم توجد بائعات الهوى وهذه الشريحة موجودة في كل بلاد العالم وإنْ كن في بلاده يمارسن عملهن في الخفاء لكنها موجودة ولا يحق لبعض الشباب العربي أنْ يعمم لمجرد أنه رأى الانفتاح في طريقة نمط الحياة وارتداء الثياب.
إحدى صديقاتي الصحافيات من إحدى الجنسيات العربيَّة وهي تعيش في بيروت قبل مجيئي إليها بسنوات طويلة ذكرت لي بألمٍ كبيرٍ حادثة من زميلها الصحافي من ذات الجنسيَّة وهو بدأ حديثاً عمله كمراسل لصحيفته الرسميَّة.
ظن هذا الصحافي الثمل أنَّ انفتاح زميلته في ارتداء الثياب وتدخينها السجائر وعيشها وحيدة في شقة لأجل العمل أيضاً بأنها فتاة لا تحمل في سلوكها شيئاً من العادات والتقاليد التي تربت عليها، وحاول استدراجها إلى شقته بحجة العمل في مكتبه وتبادل المعلومات وأرقام الفنانين والأدباء التي تنفعهما في عملهما الصحافي وما هو إلا وقتٌ قصيرٌ حتى حاول تقبيلها والاعتداء عليها ونفذت من وحشيته بأعجوبة ولولا إقامتها التي لم تكتمل في ذلك الوقت لتصبح قانونيَّة لكانت قدمت بحقه شكوى أمام القضاء اللبناني.
«الناس مظاهر» هذه الجملة ربما يقتنع بها بعض الشباب العربي القادمين إلى بيروت ويظنون للوهلة الأولى أنَّ مَن ترتدي ثياباً مستورة فهي فتاة لا غبار على أخلاقها ومن ترتدي ملابس بصدر مفتوحٍ وبنطالٍ ضيقٍ فهي منحلة أخلاقياً.
ما هكذا تقاس الأمور يا سادة، هناك عشرات الفتيات اللبنانيات وحتى العربيات ممن أجبرهن الظرف الاقتصادي الصعب على العمل كنادلات في حانات ليليَّة أو كافيهات ومطاعم لأجل تأمين أقساط الجامعة، العمل بشرف مهما كان نوعه أفضل من تقديم تنازلات لأجل الحصول على المال السريع.
المرأة التي تعيش في لبنان ربما مدخنة وترتدي على الموضة وتقضي عطلة نهاية الأسبوع على البحر بثياب السباحة، ولكنها أمٌ تعمل ساعات إضافيَّة فوق عملها لأجل تأمين لقمة العيش بشرف لأطفالها.
صحيح أنَّ بيروت مدينة غير مقسمة جنسياً بأنَّ المنزل للمرأة وخارج المنزل من مقهى وشارع ومراكز عمل والسهر في حانة للرجل، الاثنان يتشاركان المكان والحياة والعمل وأماكن الترفيه معاً.
طبيعة المجتمع البيروتي قائمة على هذا الأسلوب، ما المشكلة؟
لا يحق للسائح العربي أنْ يأخذ مقاييس الأخلاق والعفة وفق ثقافته وطبيعة حياته والنسيج الاجتماعي الذي يعيش فيه، على الرغم من أنَّه في بعض مدن بلاده الكثير من الأحياء معروفة بالانحلال المجتمعي.
المفارقة الطريفة التي أراها هذه الأيام انه لولا جائحة (كوفيد – 19)، لحلق المنتقدون بأول طائرة تحط رحالها في بيروت والجميع متشوقٌ لنكهة هواء وموج بحر بيروت وحضور المسرحيات ودور السينما وتدخين النرجيلة في مقاهيها، والمشاركة في سباق الدراجات الناريَّة الذي تشارك فيه الفتيات الجميلات.
من يعيش في بيروت بشكلٍ دائمٍ نظرته مختلفة عن نظرة بعض السوّاح... بيروت لن يفهمها أبداً المقموعون في شرنقة الانغلاق المجتمعي والتشدد الديني المتزمت.
بيروت إمرأة حرة لكنها غير المرأة المنحرفة.
وكفى.