عمالة الأطفال .. انتهاكات صارخة لحقوقهم والحلول غائبة

ريبورتاج 2021/06/13
...

   قاسم موزان
يوافق الثاني عشر من حزيران اليوم العالمي لمكافحة عمالة الاطفال الذي اقرته الامم المتحدة للحد من انتشارها في اغلب دول العالم، اذ باتت ظاهرة تهدد البنية الاجتماعية لتلك الدول، لما يترتب عليها من آثار نفسية عميقة جراء استغلال الاطفال بشكل قسري لا انساني في بيئات غير آمنة تفتقر الى جملة شروط، واهمها الصحية في عتمة تفشي الجائحة على نحو مخيف، ما افقد بعض الاطفال اعمالهم، بوصفهم المصدر الاساس للرزق، وما زالت القوانين والتشريعات الدولية المحلية عاجزة عن ايجاد الحلول للحد من اتساع رقعة الظاهرة وآثارها المستقبلية. 
تهديد نفسي
في هذا السياق والمعنى قالت التدريسية في الانثروبولوجيا من جامعة السليمانية، الدكتورة جوان بختيار بهاء الدين  {ان عمالة الاطفال من القضايا المهمة والمثيرة للقلق على عدة مستويات، اجتماعية وقانونية وتنموية في المجتمع الذي لا يمكن اغفال طبيعة مسيرته من حروب ونزاعات وأزمات متعددة متراكمة، ما ولد سلبية كبيرة لا يمكن تجاوزها بسهولة، ويعد الأطفال والنساء من الفئات الاكثر تعرضاً لآثار الحروب والأزمات، ومنها تلك الظاهرة التي وصفها تعريف الامم المتحدة {أعمال تضع عبئاً ثقيلاً على الأطفال وتعرض حياتهم للخطر، ويوجد في ذلك انتهاك للقانون الدولي والتشريعات الوطنية} وتشمل عمالة الأطفال العمل الاجباري دون الحد الأدنى المسموح به، وتوظيف الأطفال بشكل يهدد صحتهم الجسدية والنفسية}. 
واضافت بهاء الدين {مجتمعنا يشهد انتهاكات صارخة  من شأنها أن تزلزل كيان الحقوق التي يُفترض أن يتمتع بها كل طفل، اذ إنها متعددة الابعاد فهي من جانب تظهر ضعف الاسرة وضعف الرقابة المؤسساتية الحكومية، وتمثل مساحة مفتوحة لحرمان الطفل من عيش طفولة صحية، مقابل خضوعه لضغوط وظروف معيشية صعبة قبل الأوان}.
المشكلة الحقيقية تكمن في الوضع الاقتصادي، والمتمثلة بضعف المستوى المالي للأسرة، ما يجعل عمل الاطفال ضرورة لتأمين المعيشة مع عدم اغفال الدواعي الاجتماعية التي تؤدي الى آثار كبيرة وعميقة، تتمثل بخروجهم من دائرة التعليم، وتقليد الكبار سلوكاً ولفظاً.
 
ظروف لا انسانيَّة
واشارت رئيسة مركز حقوق المرأة الدكتورة مها الصكبان الى انتشار الظاهرة في أغلب بلدان العالم النامية والمتقدمة بصورة عامة، وتزداد نسبتها  في البلدان التي تعاني من الحروب والأزمات والصراعات، وكذلك في البلدان الفقيرة، ولابد من تذكير الدول بالإجراءات التي تتخذها للحد من هذه الظاهرة، وبيان مدى التزامها والتقدم الذي احرزته للحد منها، والتي (اعدها جريمة ضد الطفولة والإنسانية)، وتجري عمالة الاطفال في صور متعددة، فأغلبهم يتم استغلالهم من قبل مافيات العصابات والجرائم المنظمة، ويعيشون في ظروف قاسية لا انسانية، وقد يمتد العمل لساعات طويلة في بيئة غير آمنة وخطرة، وان بعض الأطفال يتم استغلالهم من قبل عصابات التسول والسرقة أو العمل الشاق في المعامل كمعامل الطابوق الأهلية وفي أعمال الحدادة والسمكرة، وفي تجارة المخدرات ولاغراض أخرى مثل العمل في المقاهي، وكذلك من قبل الشركات المحلية مثل شركات التنظيف وغيرها، ناهيك عن استغلال الأطفال في الحروب والنزاعات كضحايا، أو تجنيدهم واستغلالهم، وابدت الصكبان اسفها من أن العراق من البلدان الذي تزداد فيه نسبة تشغيل الأطفال باضطراد، بسبب تقاعس الدولة عن التزاماتها بكفالة حقوق الطفل وتوفير الحماية والرعاية الصحية والنفسية والتعليم والبيئة الأسرية المستقرة، وان اغلب الذين يتم استغلالهم من الفتيات للعمل في المنازل ومعامل الطابوق وشركات التنظيف، وكذلك في تجارة وترويج المخدرات.
 
سوق العمل المبكر
واوضح الحقوقي حميد طارش الجنبة القانونية للظاهرة بقوله: ان المادة (7) من قانون العمل رقم (37) لسنة 2015 تنص على أن {الحد الادنى لسن العمل في العراق هو خمسة عشر عاما} وقد ضمن القانون المذكور وجوب تأمين معايير تناسب عمل الحدث (18-15) سنة، كما ضمن الدستور لسنة 2005 حقوق الطفل في المادة (29) بالنص، ثالثاً: يحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بصورة عامة، وتتخذ الدولة الاجراء الكفيل بحمايتهم، رابعاً: تمنع كل اشكال العنف والتعسف في الاسرة والمدرسة والمجتمع، كما نص في المادة (30) منه، اولاً: تكفل الدولة للفرد والاسرة ـ وخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الاساسية للعيش في حياةٍ حرة كريمةٍ، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم، واستدرك طارش قائلاً : ان الواقع وبحسب احصائيات رسمية يشير الى أن واحداً من خمسة أطفال في العراق ممن تتراوح اعمارهم بين (14-5) يدخلون سوق العمل لمزاحمة الكبار في اعمالهم الشاقة، وهذا بخلاف اتفاقية الطفل لسنة 1989 واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (182) لسنة 1999 والمصادق عليهما من قبل العراق، فضلا عن مخالفة الدستور والقانون العراقي، ودائما يجب التسليم بان التشريعات الوطنية والدولية هي واحدة من الآليات المطلوبة لمعالجة المشكلات، ولا يمكن أن تكون لوحدها كافية  للحل وسط بيئة يعمها الفقر واليتم والترمل والعوز والعيش دون مستوى خط الفقر، وانما تحتاج الى اصلاحات اقتصادية واجتماعية يكون الضمان الاجتماعي لشريحة الاطفال حجر الزاوية فيها.
 واختتم  {من اجل القضاء على ازمة عمالة الأطفال المتفاقمة في العراق يجب توحيد الجهود بين المؤسسات الحكومية لتوفير الاستقرار الاقتصادي للاسرة والتعليم المجاني، وان تعمل المنظمات المحلية والدولية على الجانب التوعوي لضمان مستقبل الطفل وتوفير مقومات العيش الصحيحة نحو مستقبل مستقر للمجتمع}.
 
استغلال
وبين مدير الاحداث والبحث ولي جليل الخفاجي، أن عمالة الاطفال هي ظاهرة تنتشر في الدول التي تعاني من مشكلات اقتصادية بالدرجة الاولى و يعد العراق من ضمنها، ونوه الى التفريق بين عمل الاطفال وتشردهم، فقد اشار قانون العمل العراقي الى انه لا يجوز تشغيل الاطفال دون سن 15 سنة، ويسمح للطفل فوق تلك السن بالعمل على الا يعرض الطفل الى الاستغلال او ترك التعليم او الاعمال الشاقة التي لا تتناسب وقابلياته البدنية والجسمية، اما التشرد فهو خروج الطفل الى الشارع والعمل باعمال غير فنية ومهينة مثل بيع العلكة ومسح زجاج السيارات وغيرها والتي تعرضه للاستغلال، ولا ننسى الظروف التي مر بها العراق وخاصة بعد سقوط النظام المباد في 2003، وتعرض المجتمع الى التهجير والحروب الداخلية، وسوء الوضع الاقتصادي، والترمل والطلاق واليتم، كل ذلك ادى الى خروج الاطفال للعمل لاعتماد تلك الاسر على عمل هؤلاء، ولكننا بالحقيقة اليوم لا نرى مظاهر عمل الاطفال بالمعنى الحقيقي والقانوني.
واضاف الخفاجي {نرى صورا من التشرد بكل وضوح من خلال انتشار الاطفال في اماكن غير آمنة وهم يعملون اعمالا غير فنية مثل صباغي الاحذية وباعة اوراق التنظيف وماسحي زجاج السيارات وجامعي القمامة والعلب الفارغة وغيرها، وهذه بدورها تضيع مستقبل الاطفال، لأنها مهن من دون مستقبل، وتعرضهم للاصابات بالامراض الجسدية والنفسية، وتحرمهم من مدارسهم، فضلا عن استغلالهم بعمليات اجرامية كالسرقة والمخدرات، لذا يتحتم على الدولة أن تكافح عمل الاطفال وتحميهم من خلال توفير فرص عمل للكبار من الآباء والامهات، وتفعيل قانون العمل، وقانون رعاية الاحداث، وجميع القوانين التي تحمي الطفولة، فضلا عن انشاء لجان خاصة ممزوجة بمنظمات المجتمع المدني لتوفر الامور التي تجذب الاطفال من العاب ومراكز رياضية وفنية لمنعهم من التسكع والتشرد}.
 
انحرافات
واوضح المهندس عباس عبود تفاقم عمالة الاطفال من خلال مشاهداته في الاسواق الشعبية ومناطق العشوائيات في صور مؤلمة لاطفال في اعمار مبكرة، منخرطين في سوق العمل كباعة لاكياس النايلون، او دفع العربات الخشبية، واغلبهم متسربون من المدارس واسرهم ترزح تحت ظروف اقتصادية قاسية، ما يدفعهم الى تشغيل اطفالهم وقتل براءتهم من خلال العمل المضني، وقد يتحول هؤلاء الى مجرمين، فضلا عن اكتسابهم عادات ضارة كالتدخين او تعاطي المخدرات، او وقوعهم في الانحراف الجسدي، وذلك بسبب غياب البيئة الاجتماعية المناسبة.