ايطاليا في مواجهة تسرّب الطلبة من المدارس

بانوراما 2021/06/13
...

 إيما بوبولا
 ترجمة: خالد قاسم
لم تحب فرانسيسكا ناردي المدرسة يوما، أو اعتقدت أنها جيدة بالدراسة، لكن بمساعدة المدرسين والزملاء نجحت في البقاء حتى الصف الخامس ثانوي. وعندما ضرب الوباء بلادها وجدت فرانسيسكا نفسها تائهة في الدراسة الألكترونية، وعاجزة عن فهم مدرسها عبر الجهاز اللوحي الذي أعطته إياها المدرسة، وأصابها الفشل وتخطط لترك الدراسة.
امتلكت ايطاليا أحد أسوأ معدلات التسرب من الدراسة في الاتحاد الأوروبي حتى قبل الوباء، وعانت مدينة نابولي الجنوبية على وجه الخصوص من هذه المشكلة. وأغلقت ايطاليا مدارسها عندما ضربها الوباء أكثر من بقية دول الاتحاد الأوروبي، ودفع الإغلاق الطويل في منطقة نابولي الطلبة للتسرب بأعداد أكبر.
بينما من المبكر جدا الحصول على أرقام دقيقة، لكن مديري المدارس وناشطين وموظفين اجتماعيين يقولون إنهم شهدوا ارتفاعا حادا بعدد الطلبة التاركين للدوام، وقد يكون التأثير في جيل كامل من بين أطول نتائج الوباء استمرارا.
أغلقت البلاد مدارسها، كليا أو جزئيا، لمدة 35 أسبوعا في السنة الأولى من الوباء، أي ثلاثة أضعاف فرنسا وأكثر من إسبانيا وألمانيا. ويقول خبراء إن ايطاليا خاطرت عبر تلك الاجراءات بالتخلي عن شبابها، إذ يشكلون أكبر وأندر مواردها لبناء انتعاش قوي بعد الوباء، خصوصا أنها ذات أكبر معدل أعمار في أوروبا ومتخلفة عن دول القارة في مؤشرات التعليم الأساسية.
من جهته سمح رئيس الوزراء الايطالي ماريو دراغي لكل طلبة الثانويات بالعودة الى المدارس حضوريا لنصف أيام الدوام على الأقل، وقال إن إنهاء السنة الدراسية في الصف يجب أن يكون أولوية.
 
تهميش مناطقي
لكن هذا لا يمنع الضرر الكبير الذي حدث، فقد رأت الحكومة العام الماضي أن إبقاء المدارس الثانوية مغلقة ضروري لمنع العدوى في وسائل النقل العام التي يستقلها الطلبة. وسمحت للمدارس الابتدائية بالعمل أكثر، لكن إصرار البلاد على الاغلاق في المراحل الدراسية الأخرى خاطر بتفاقم عدم المساواة وانقسام ايطاليا العميق بين الشمال والجنوب. وتلقى مسؤولون محليون انتقادات حادة، حتى أن وزير التعليم رأى ضرورة فتح المدارس لوقت أطول.
بقيت المدارس حول مدينة نابولي مغلقة لفترات أطول من بقية مناطق البلاد، بسبب اصرار رئيس مقاطعة كامبانيا «فينشينزو دي لوكا» على اعتبارها مصدرا محتملا للعدوى. ويبلغ معدل التسرب في نابولي 20 بالمئة تقريبا، أي ضعف المعدل الأوروبي، ويرتفع أكثر بضواحي المدينة. وعانى المدرسون هناك لإبقاء الطلبة مهتمين بالمدرسة، ويشعرون بالقلق من أن أشهر الاغلاق ستبعد الطلبة الى الأبد. ينص القانون الايطالي على منع الطلبة تحت سن 16 سنة من التسرب عن الدراسة، وتدرك النائب العام لمحكمة القاصرين «ماريا دي لوزنبيرغر» حجم العمل الهائل أمام الموظفين الاجتماعيين، وطالبت مديري المدارس بإبلاغها مباشرة عن حالات التسرب. وأضافت أن شهر آذار الماضي شهد نحو ألف حالة تسرب في نابولي وجوارها، أي أكثر من حالات عام 2019 بأكمله. يشتهر حي سكامبيا بمدينة نابولي في كل أنحاء ايطاليا بصعوبة العيش فيه وسيطرة مافيا كامورا عليه منذ سنوات، لكن مدرسي ثانوية ميليسا باسي حققوا تقدما كبيرا في إعادة الأطفال للمدرسة، عبر مشاريع فنية وورش عمل وتدريس شخصي. يقول مدير المدرسة إن نصف طلبتها توقفوا عن متابعة الدروس عندما صارت رقمية، وذكر أنهم أعطوا شرائح هواتف نقالة لمن لا يستطيع دفع رسوم الانترنت وعرضوا دروسا مسائية لطلبة أجبروا على العمل بسبب ضائقة أسرهم المالية.
لكن التحدي هائل، لأن بعض المشاريع السكنية المهملة في المنطقة تفتقر لتغطية الهاتف النقال، وتكتظ غرف المنازل القليلة بأفراد الأسرة الى جانب الأطفال. ويأمل المدرسون عودة معظم الطلبة عند افتتاح المدارس، لكنهم يخشون من عدم قدرة المتأخرين على اللحق بركب الدراسة.