بَعدَ أنْ قدَّمَتْها السينما العالميَّة .. متى نُشاهدُ أفلاماً عراقية ضدَّ الإرهاب؟

منصة 2021/06/13
...

  رضا المحمداوي
رغم مرور ثلاث سنوات على إعلان الانتصار على عصابات (داعش) الإرهابيَّة في 17/12 /2017، إلا أن العراق وتحديداً في المحافظات والمدن التي احتلها (داعش) سابقاً، ما زال يعاني من تواجد عناصر ذلك التنظيم الإرهابي الذين يقومون بأعمالهم الإرهابية ويهددون الأمن والسلم المجتمعي في تلك المحافظات، ومقابل ذلك ما زالت قواتنا العسكريَّة بجميع صنوفها وعناوينها تطارد فلول تلك العصابات الإجراميَّة من خلال العمليات والفعاليات العسكرية والأمنية اليومية وتقف لها بالمرصاد على خط المواجهة والصد الأوَّل.
استثمار هذه المعارك
وإزاء ذلك كله تغيب عنا من حيث الإنتاج السينمائي الوطني فكرة استثمار هذه المعارك والوقائع الحربية وتوظيفها فكرياً من أجل إعلاء قيمة الحياة نفسها والإشادة بها مقابل أفكار الموت والخراب والتعمية التي يريد أنْ يشيعها الفكر الإرهابي المُتخلّف.
من هنا يتوجب الاحتكام إلى (ما يجبُ أنْ يُقال) في هذا الجانب الفكري من الإنتاج السينمائي المطلوب، وإثارة التساؤلات وطرح التداعيات بجوانبها كافة، وخاصةً الاجتماعية منها على وجه الخصوص.
ومن أجل أنْ نكون أكثر وضوحاً مع أنفسنا لا بُدَّ من تقديم نتاجات سينمائيَّة بإطار موضوعي عام، وغير محسوم ، ينتصر للحق والخير والحياة والحب، وبعيداً عن الجانب التعبوي الذي غالباً ما يرافقُ مثل هذا النوع السينمائي، والذي قد يؤدي سوء التوظيف الدرامي للموضوع ، والطرح المباشر للأفكار إلى عزوف المتلقي عن التعاطي مع محمولات الفيلم ورسالته، بحيث يكون التركيز في الأفلام السينمائيَّة المقبلة على الجوانب الإنسانيَّة والاجتماعيَّة والنتائج والآثار السلبية التي لا بُدَّ وأنْ تكون حاضرةً أثناء معالجة (موضوعة الحرب ضد الإرهاب) وبالمحصلة النهائية ستكونُ لدينا الكثير من الأفكار والقصص والرؤى والتصورات.
 
السينما العالمية
وخير الدروس والتجارب التي يجب استحضارها في هذا المجال إنَّ السينما العالمية ومن خلال النمط الحربي المعروف عالمياً ما زالتْ تنتجُ أفلاماً عن الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918 والحرب العالمية الثانية 1939 - 1945، والأسماء والعناوين بهذا الصدد كثيرة ومتنوعة ومن نتاجات سينمائيَّة عالمية متعددة، وهو ما يُشكّلُ حافزاً ودافعاً بالنسبة لنا في رسم خط الشروع الأوَّل بإنتاج هذا النمط من الإنتاج السينمائي وعدم الانتظار لسنين أخرى غير تلك التي مرَّتْ علينا، ومن ثم العمل على التفكير والتخطيط ووضع الخطة الإنتاجيَّة للبدء بإنتاج أفلام سينمائيَّة عراقيَّة عن هذه الحقبة التأريخيَّة التي نعيشها الآن والتي امتدتْ طوال الـ17 عاماً الماضية بكل أحداثها وتفاصيلها الملتهبة، آخذين بالحسبان أننا نعاني أصلاً من انعدام كلي للإنتاج السينمائي في هذا الجانب على وجه الخصوص منذ العام 2003 وحتى الآن.
 
تضحيات القوات العراقيَّة
إنتاجياً لم تُوضعْ أيَّة خطة لغرض ترجمة المعاناة الإنسانيَّة لمجتمعنا، أو التضحيات الكبيرة للقوات العراقيَّة المسلحة التي قدَّمتْ، وما زالت تقدّمُ، وعلى مدى سنوات طويلة الكثير من الأرواح والدماء والتضحيات، فضلاً عن الخسائر الماديَّة الجسيمة، وإزاء ذلك كله لمْ نقدَّمْ فيلماً سينمائياً واحداً يُعالجُ ويطرحُ هذه الموضوعة الوطنية المهمة، وهو أمرٌ مُعيبٌ جداً بحق أنفسنا وبحق قضيتنا الوطنية التي أخلصنا لها عسكرياً وأخلاقياً وقدَّمنا من أجلها التضحيات كي نحافظ على اسم العراق ووجودِهِ وكيانِهِ.
إنَّ العجز الإنتاجي الكامل يعودُ إلى عدم وجود التخصيصات المالية اللازمة للإنتاج السينمائي، وخاصةً لدى الجهة الرسمية الوحيدة المَعنيِّة بالانتاج السينمائي وهي دائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة، وما يزيد من صعوبة ذلك هو ارتفاع تكاليف إنتاج الفيلم السينمائي نفسه وخاصةً النمط الحربي منهُ نظراً لما يتطلبهُ من مستلزمات إنتاجية كبيرة سترفع ميزانية الإنتاج اللازمة أضعافاً مضاعفةً، لكن هذا ليس مُسوغاً أو مُبررّاً كافياً لإيقاف عجلة الإنتاج بشكلٍ كاملٍ في هذا الجانب.
 
أفلام متوسطة الميزانية
ويمكنُ في حساباتنا الوطنيَّة الخاصة في معالجتنا لهذه الموضوع أنْ نُعوَّلَ على إنتاج أفلام سينمائية ذات ميزانيات متوسطة أو منخفضة من حيث السقف الإنتاجي، ولكن مع الحفاظ على المواصفات الفنية المطلوبة في الوقت عينه، ويمكن أنْ تشترك بتميولها أكثر من جهة مثل وزارة الثقافة ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية وهيئة الحشد الشعبي وجهاز مكافحة الإرهاب وغيرها من الجهات الساندة لها.
وأخشى القول انَّ القصور الإنتاجي الحاصل في هذا الجانب ليس مصدرَهُ عدم وجود التخصيصات المالية الواجب توفرها، بل يكمنُ في غياب التخطيط والدعم، وعدم الشعور بالمسؤولية الثقافية الناجمة عن الجهل والأمية الفنية، وقبل ذلك كله انعدام الموقف الأخلاقي المُلتزم إزاء هذا المشروع الوطني.