أموال العراق المهرّبة والمجمّدة.. ثروات تنتظر الاسترداد

العراق 2019/02/17
...

بغداد / أحمد محمد 
 
لا توجد حتى الآن إحصائية دقيقة عن حجم الأموال العراقية المهربة والمجمدة في الخارج، وطريق استردادها مازالت طويلة وغير معبدة بالكامل، وعلى الرغم من طرح مشروع قانون استرداد الاموال العراقية على طاولة مجلس النواب إلا أن القانون لم يقرأ قراءته الأولى ليتم ترحيله الى الفصل التشريعي الثاني وسط جدل نيابي حول هذا القانون، لتبقى تلك الأموال بمثابة ثروات وطنية مع وقف التنفيذ إلى حين إقرار التشريعات الخاصة والخطوات التنفيذية لاسترجاعها، وإلى ذلك الحين تبقى تلك الثروات الكبرى التي أهدرها الفساد بانتظار قرار وطني حازم بشأنها.
 
ويقول عضو لجنة النزاهة النيابية النائب عن كتلة البناء عبد الأمير المياحي في تصريح خاص لـ"الصباح": "مازال ملف استرداد الأموال العراقية عقيماً ولم تتخذ أي إجراءات بشأنه، خاصة في ظل انتهاء الفصل التشريعي الأول"، واستدرك، "لكننا كلجنة تحدثنا عن هذا الملف على هامش إحدى الجلسات الخاصة"، لافتاً الى "وجود لجنة مشكّلة بهذا الصدد منذ حكومة العبادي إلا انها وصلت الى طريق مسدود منذ تشكيلها"، مؤكداً أنه "سيكون هناك موقف حاسم لاسترداد الأموال في الفصل التشريعي الثاني وستكون هناك لجنة لمتابعة الملف".
 
نزيف مستمر
ويبين النائب عباس الزاملي في تصريح خاص لـ"الصباح"، "لم تجرِ القراءة الأولى لقانون الكسب غير المشروع ولا حتى ثانية من قبل مجلس النواب مع انتهاء الفصل التشريعي الاول، لكن بصورة عامة فإن مجلس النواب متوجه باتجاه محاربة الفساد بشكل فعلي واسترداد الأموال العراقية سواء كانت في الداخل أو الخارج ومحاسبة المفسدين". 
ولفت الزاملي، إلى أن "هناك اتفاقا وتنسيقا على أعلى المستويات بين تحالفي سائرون والفتح من أجل محاربة الفساد في المرحلة المقبلة لإيقاف وقف استنزاف الاموال العراقية سواء كانت من داخل البلد أو خارجه، فنحن أمام النهوض بمستوى الخدمات والإعمار والقضاء على البطالة، فالعراق يمر بمرحلة جديدة وهو بأمس الحاجة الى استرجاع تلك الاموال التي أخذت بالإكراه ودون وجه حق".
 
غسيل الأموال
ويشير خبير مكافحة الفساد سعيد ياسين موسى في تصريح لـ"الصباح"، إلى أنه "في ظل تراكم ملفات الفساد بعد عام 2003 والتلكؤ في تنفيذ المشاريع مع رصد الموازنات الكبيرة وتأخر الجهات الرقابية في تدقيق ومطابقات الحسابات والحسابات الختامية؛ كانت الأموال تذهب بطريقين الاولى هي التحميلات المباشرة خارج العراق، والطريق الثانية هي الاستيراد الوهمي الذي يتم من خلاله غسيل الاموال، بالتالي فإن هذه الاموال لم تصرف على المشاريع التي كانت ترصد في الموازنة العامة وكانت تتم المصادقة عليها حتى عام  2018، لذا لدينا أكثر من 3800 مشروع متلكئ ووهمي أموالها مهربة الى دول الملاذ التي لم يعقد العراق اتفاقيات تعاون قضائي معها لاسترداد الاموال بالاضافة الى المدانين".
ويضيف موسى، أنه "تم تشكيل لجنة لاسترداد الأموال والأصول المنهوبة متعددة الاطراف في مكتب رئيس الوزراء منذ حكومة العبادي ومازالت موجودة الى الان والمتمثلة بـ(هيأة النزاهة وديوان الرقابة المالية وجهاز المخابرات وممثل عن القضاء والانتربول وممثل عن وزارة الداخلية والخارجية وممثل عن هيأة المساءلة والعدالة وعن وزارة المالية والبنك المركزي دائرة غسيل الاموال، والذين استطاعوا وبجهود كبيرة استرداد فلاح السوداني وامين عام وزارة الدفاع واخرين لم يعلنوا عنهم والذين وافقوا بدورهم على تضمين دفع الاموال مع شمولهم بقانون العفو".
ويؤكد موسى، أن "هناك أكثر من خمسين ملف استرداد، وهذا ما دعا مجلس القضاء الأعلى الى زيارة الأردن ولبنان وإيران والأمم المتحدة لوضع اتفاقيات تعاون قضائي من أجل هذا الملف إضافة الى الملفات الأخرى"، ويضيف، ان "العراق بحاجة الى استتمام اتفاقية الامم المتحدة للفساد كونه التزاما دوليا يضم أكثر من 180 دولة في العالم، فنحن بحاجة الى تعاون وإسناد أممي عن طريق المنظمات الدولية لأن كل ملف يحتاج الى ما لا يقل عن عشرة أعوام لاسترداد المدانين والأموال". 
ويوضح، أنه "على العراق القيام بخطوات استباقية لمنع تهريب هذه الاموال، كذلك فإن البنك المركزي ومن خلال دائرة غسيل الأموال وبالتعاون مع البنك الدولي بدأ يعمل ضمن قانون مراقبة التحويلات المصرفية وهذا ما حدث خلال السنتين الماضيتين من تحويل الأموال وتهريبها بطرق غير شرعية".
 
تفعيل اللجان
ويؤكد الخبير موسى، أنه "يجب تفعيل لجنة استرداد الأموال لتكون عاملاً مساعداً من أجل ملاحقة الأموال المنهوبة، ولاسيما عائدات هذه الأموال، فهناك خريطة كبيرة للأموال والعقارات المجمدة والمحجوزة من قبل دول الملاذ تحتاج الى حكم قضائي لاستردادها، لذا على هيئة المساءلة والعدالة بالإضافة الى هيئة النزاهة وكل الجهات المعنية إصدار بيان رسمي بالتقدم الحاصل باسترداد هذه الملفات"، مبيناً، بأن "صندوق أموال العراق في وزارة المالية شبه معطل، لذا نحتاج خلال الفترات القادمة الى تفعيله، وعند استرداد الأموال الملاحقة من دول الملاذ يجب أن توضع  في صندوق خاص لبرنامج التنمية والنهوض بقطاع التربية والخدمات والمرأة والشباب والطفولة والأمراض المستعصية، فمن ضمن المعيار الدولي أن لا تذهب الأموال المستردة الى خزينة الدولة حتى لا تكمل دورتها الثانية في الفساد".
واقترح موسى على الحكومة العراقية من أجل استكمال الملاحقة "الاتفاق مع شركات قانونية دولية لديها الخبرة بقوانين دول الملاذ المشكوك بوجود أموال ومطلوبين فيها تعمل على استرداد الاموال مقابل نسبة 10 بالمئة من كل 100 مليون، وذلك حتى لا تبقى فرصة للمفسدين في التلاعب بسيادة الدولة وهيبتها، لذا على هيئة النزاهة أن تبذل الجهود من أجل استعادة هذه الأموال".
 
ضعف الرقابة
من جانبه، يؤكد المختص في القطاع المالي الدكتور عماد الحرش التميمي في تصريح لـ"الصباح"، أن "الأموال العراقية المنهوبة وجدت ملاذاً آمناً في دول الجوار، لذا يتطلب من الجهات المعنية الاستفادة من كل مبادرة دولية سواء كانت من البنك الدولي أم الأمم المتحدة أم الدول العربية لتسهيل عملية استعادتها".
ولفت إلى أنه "لا تتوفر إحصاءات أو تقديرات دقيقة عن حجم الأموال العراقية المهرّبة خارج العراق، على الرغم من متابعة استردادها من قبل عدة جهات أولها القضاء العراقي بالمادة (122) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971، ودائرة استرداد الأموال في هيئة النزاهة بقانونها رقم (10) لسنة 2008 وصندوق استرداد أموال العراق بموجب قانونه رقم (9) لسنة 2012"، مبيناً أن "قيمة الأموال المهربة تفوق المليارات من الدولارات تم تبييضها وغسلها في بعض الدول واستثمرت في انعاش اقتصادياتها، إذ تم تحويلها إلى عقارات أو استثمارات في هذه البلدان التي هربت إليها". ويضيف التميمي، أن "أحد أهم أسباب تهريب الأموال خارج العراق، هو ضعف رقابة البنك المركزي على عمل المصارف بالتعامل مع العملة الصعبة، وعدم وجود متابعة لملف استرداد الأموال المهربة للخارج وجمع المعلومات ومتابعة المتهمين المطلوبين خارج العراق، واسترداد هذه الأموال بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية أو وضع ستراتيجية لاستغلال الاتفاقيات الدولية والمبادرات الدولية التي تتضمن الآليات اللازمة لاسترجاع الأموال المنهوبة التى تم تهريبها للخارج، إذ أن معظم هذه المعاهدات والاتفاقيات تنص على أن بإمكان الدول المطلوب منها التسليم طلب إيضاحات تكميلية من الدول الطالبة قبل رفض الطلب إلا أن ذلك يواجه بعض المصاعب تتعلق بالذرائع التي تتخذها هذه الدول في رد طلب التسليم".  وأعرب الخبير المالي عن أسفه، بشأن "عدم وجود دعوى قضائية مقامة أمام المحاكم الدولية فى الدول الموجودة بها الأموال العراقية المهربة لعدم ثبوت الإدانة، ووضع الآليات القانونية الفاعلة والملزمة للجهات القضائية والرقابية العراقية لمتابعة استرجاع هذه الأموال والتنسيق مع الجهات القضائية والرقابية ذات العلاقة في الدول التي تتواجد فيها هذه الأموال، للاستفادة منها في حل مشاكل الاقتصاد العراقي التي يعاني منها العراق منذ مدة ليست بالقليلة".
 
الاتفاقات الدولية
وعن بنود اتفاقية الامم المتحدة التي انضم اليها العراق عام 2007 لاسترداد الأموال، يوضح المختص القانوني في وزارة المالية هشام الزاملي لـ "الصباح"، "لقد تمخضت الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد واسترداد الأموال التي حصلت عليها الدول بصورة غير شرعية عن تعاون دولي للالتزام بموجب بنود الاتفاقية التي اطلع عليها العراق عام 2007 ووافق على الالتزام بكافة بنودها وشرع قانوناً يلائم معطياتها".
ويشير الزاملي، إلى أن "قانون صندوق استرداد أموال العراق رقم 9 لسنة 2012 بناءً على ما أقره مجلس النواب وصادق عليه رئيس الجمهورية واستنادا إلى أحكام البند أولا من المادة 61 والبند ثالثاً من المادة 73 من الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 ونص على 12 مادة وخلاصتها من أجل استرداد الحقوق المالية لجمهورية العراق كافة التي حصل عليها غير العراقيين والأجانب بطرق غير مشروعة نتيجة سوء استخدام برنامج النفط مقابل الغذاء والحصار الاقتصادي والتهريب والتخريب".
ويضيف الزاملي، أنه "في اللجان القانونية الدولية التابعة للاتفاقية؛ تلتزم الدول الأطراف بتشريع قوانين داخلية تتناسب مع بنود الاتفاقية الدولية كما فعل العراق عندما شرع قانون صندوق استرداد أموال العراق 9 لسنة 2012، كما توجد إمكانية في استرجاع هذه الأموال إذا ما كانت الجهات المخولة على اطلاع مسبق  بقوانين الدول الأخرى، وفي النهاية فإن كافة الدول الداخلة في الاتفاقية تلتزم بموجبها وتشرع قوانين لهذا الغرض لأن الاتفاقيات من القواعد الدولية الآمرة ولا يجوز مخالفتها".