ثلث أراضي المكسيك بيد زعماء المخدّرات

بانوراما 2021/06/14
...

  باتريك ماكدونيل
  ترجمة: بهاء سلمان
تعد بلدة اغويليلا، من أحد أكثر المناطق الخارجة عن سيطرة القانون في المكسيك، فقد تصدرت هذه المدينة منصة الأخبار لشهر نيسان الماضي، عندما عثر على ثماني جثث مقطوعة الرأس ملقاة هناك. وبعد أسابيع نشب قتال. وكان من الصعب جدا دخول أو خروج أي أحد، على أقل تقدير من دون تصريح بالموافقة من قبل العصابات المتنافسة التي أغلقت الطرق. ومن خلال الاتصالات الهاتفية وما ينشر على وسائط التواصل الاجتماعي، كان الأهالي العالقون يصفون منطقة سكنية تعيش وسط رعب سفاحي العصابات الذين يجوبون الشوارع ويطلقون النار على بعضهم البعض. ولا تزال بعض المحال التجارية مفتوحة، لكن مؤن الطعام تتناقص ولا توجد وسيلة للوصول إلى المستشفيات، بحسب المقيمين هناك.
 
مناشدات بلا نتيجة
ويقول راعي الكنيسة القس غلبرتو فيغارا: «إن استمرار القتال بين العصابات بات يخنق الناس» ووجه الدعوة الى رجالها بترك الأهالي يسافرون إلى المدينة الأقرب، اباتزنغان، على مسافة ساعتين بالسيارة، لجلب الطعام والدواء والوقود وتيسير شؤون بيع منتجاتهم وماشيتهم.
يعود أصل الفوضى الى الصراع لسيطرة على تجارة المخدرات ضمن ولاية ميكوكان المكسيكية التي تعصف بها المشكلات، مع وجود حكومة ضعيفة غير قادرة على منع العصابات من السيطرة على مساحات واسعة من البلاد. خلال السنوات الأخيرة، توسعت أعمال البلدة، البالغ عدد سكانها 15 الف مواطن، نتيجة لزراعة الطماطم وتربية الماشية وزراعة الماريجوانا، فصارت محورا ستراتيجيا لتصنيع مادة ميثامفيتامين المخصصة للسوق الأميركية الرائجة.
وتقول السلطات إن ورش الإنتاج غير القانونية تنتشر مبعثرة في الأرياف المجاورة للبلدة، لمعالجة المواد الكيمياوية الرائدة المهرّبة من قارة آسيا إلى ميناء لازارو كارديناس المطل على المحيط الأطلسي، الذي يبعد أكثر من مئة كيلومتر إلى الجنوب شرقي. وبسبب أعمال العنف، فر المئات، إن لم يكن الآلاف، وبعضهم وصل إلى الولايات المتحدة، لكن العديد منهم توزع داخل المكسيك.
يقول فيكتور اغويج، 68 عاما، الذي غادر البلدة قبل عدة أشهر مع 14 فرد من أقاربه إلى ميكوكان؛ ثاني اكبر مدينة في الولاية: «عملت في اغويليلا طوال حياتي. لدي حقل أزرع به الطماطم والذرة والفلفل الحار، لكن ينبغى علينا ترك كل شيء خلفنا والرحيل بسبب الخوف. في اغويليلا، المرء يعيش وسط أجواء خوف مستمر من احتمال القتل أو الاختطاف في أية لحظة».
 
زعماء خطرون
ويظهر الصراع الدائر كيفية تغلغل العصابات داخل الحكومات المحلية في أجزاء كثيرة من المكسيك. وتلقي السلطات باللائمة على عصابتين كبيرتين على ما يجري من اضطرابات. إحداها يطلف عليها «العصابات المتحدة»، هي عبارة عن اتحاد لعصابات متعددة، تحت مسميات مختلفة، يقودها وفقا للإدعاء العام الأميركي ادالبيرتو رودريغز، 57 عاما، عمدة اغويليلا السابق، والذي أعتقل مؤخرا بتوصية أميركية للاشتباه بتورطه بتهريب كميات كبيرة من الميثامفيتامين إلى فلوريدا، مخبأة داخل قطع بلاط سمنتية أو مذابة في دلاء ذات خمسة غالونات من الطلاء المنزلي.
المجموعة المنافسة لها هي عصابة جيل جاليسكو الجديد، أحد أكبر النقابات المكسيكية، المعروفة بعزمها على التوسع، وتنشر عروضا مبهرجة على وسائط التواصل الاجتماعي لعربات مصفحة وسلاح بمستوى متقدم. زعيم العصابة؛ نيميسيو سيرفانتس؛ مطلوب في كل من المكسيك والولايات المتحدة، وهو من مواطني اغويليلا أصلا. يقول مايك فيغيل، الرئيس السابق للعمليات الدولية لإدارة مكافحة المخدرات الأميركية: «يريد سيرفانتس السيطرة على منطقة نشأ فيها، وهي جزء من خطته الكبرى للانتقال إلى مناطق ستراتيجية حيث يسعه التحكم بأنشطة إجرامية متنوّعة».
ويطالب الكثير من سكان اغويليلا الحكومة المكسيكية بالتدخل، ويسردون قصصا مؤلمة عن حالات وفاة حصلت لمرضى افتقدوا الدواء بسبب انقطاع الطرق. وثمة اعتقاد سائد داخل البلدة يشير الى تواطؤ الأجهزة الأمنية والجيش مع تلك العصابات، ويظهر مقطع فيديو انسحاب وحدة من الحرس الوطني من البلدة وسط سخرية وتهكم الأهالي. ويتمركز 200 جندي في اغويليلا، وتصل إليهم المؤن بواسطة الطائرات العمودية، لكن القوة تجنبت الاشتباك المباشر مع العصابات المتحاربة.
 
دولة فاشلة
وتشير تقديرات وزارة الدفاع الاميركية إلى سيطرة عصابات المخدرات المكسيكية لثلث أراضي البلاد؛ لكن الرئيس المكسيكي اندريس اوبرادور شكك بهذه التقديرات عبر مؤتمر صحفي، محجما عن ذكر تقديراته الشخصية. وطيلة أكثر من عقد، شنت المكسيك «حربا على المخدرات» متسببة بوفاة عشرات الآلاف، لكن لم تفعل الكثير لاضعاف قوة الجريمة المنظمة، وهي وسيلة تخلى عنها اوبرادور لتجنّب المواجهة المباشرة في ما يوفر فرصا اقتصادية للشباب الفقراء لابعادهم عن الانضمام للعصابات.
لكن الصراع في اغويليلا يختبر بشدة ستراتيجية الرئيس قبل اجراء انتخابات برلمانية قريبا؛ ودافع اوبرادور عن موقفه بعدم التدخل العسكري في اغويليلا، قائلا: «إذا استولينا على البلدات بالقوة، وغزوناها بأفراد الشرطة والجنود، فستحدث أمور لا تحمد عقباها، وعلينا دعوة الجميع للهدوء والسكينة والبحث عن السلام، ولا ندعوهم للعنف».
ماذا عن حكومة ولاية ميكوكان؟ يقول الحاكم سيلفانو اوريوليس إن الحل صعب المنال من دون نشر لقوات حكومية، ويضيف: «بإمكان المرء التفاوض مع المجتمعات المبتلاة بصراع مسلح، ومع الهيئات الإجتماعية، لكن التفاوض مع قتلة شأن آخر مختلف تماما.» وذهب الحاكم إلى اغويليلا قبل أسابيع بطائرة عمودية عسكرية في استعراض مبالغ به للإيحاء بتحسن الأوضاع الأمنية، ورافقه حراس مدججون بالسلاح، والتقى عددا من محتجين في الساحة المركزية فأبلغوه بضرورة استعادة السلام وفتح الطرق، وانهم لا يثقون بالحكومة واجراءاتها، وأنهم باقون تحت رحمة المجرمين إلى أمد مجهول.
 
صحيفة لوس انجليس تايمز الأميركية