د. عبد الخالق حسن
طبعا لا بد من أن يحضر الوجه المخالف للتقدم أي التقهقر في كل ما ذكرناه، لأن العالم قائم على هذه الثنائيات المتناقضة التي بالرغم من الحضور السلبي في تفاصيلها، لكنها هي التي تمنح الحياة بهجتها وجمالها. وقديماً قيل: والضد يظهر حسنه الضد
ما الذي يجعل الإنسان شخصاً مشهوراً؟ السؤال هنا بالرغم من وضوحه وربما سهولته، لكنه يظل متجدداً كلما تقدمت بنا الحياة وتطورت أساليب المعيشة فيها. إذ إن كل تقدم حياتي ترافقه تحولات ذوقية وجمالية وفكرية واجتماعية.. إلخ.
وطبعا لا بدّ من أن يحضر الوجه المخالف للتقدم أي التقهقر في كل ما ذكرناه، لأن العالم قائم على هذه الثنائيات المتناقضة التي بالرغم من الحضور السلبي في تفاصيلها، لكنها هي التي تمنح الحياة بهجتها وجمالها. وقديماً قيل: والضدُّ يظهر حسنه الضدُّ.
نعود إلى سؤالنا الافتتاحي عن الأسباب التي تجعل الإنسان مشهوراً. ومعها نستحضر فلسفة الشهرة وشغف الإنسان بها. قبل الخوض في الأسباب، فإن شغف الإنسان بالشهرة يولد وينمو ويتحرك معه في جميع محطات حياته. فكل إنسان يبحث عن القبول الاجتماعي وتعزيز الذات، ليمتلئ بشعور النشوة وليحافظ على توازنه وصحته النفسية. أو ربما يبحث عن الشهرة للتعويض عن انتكاسات قهرية في محيطه الذي نشأ به ولم يجد فيه ما يجعله مقبولاً، لهذا يحاول التحرك خارج محيطه الاجتماعي من أجل بناء ذاته المنتكسة.
الأسباب التي تجعل الإنسان مشهوراً بعضها ذاتي يتعلق به، وبعضها الآخر موضوعي بسبب تأثيرات خارجية.
في ما يتعلق بالأسباب الذاتية، فإنها تتعلق بكفاءة الشخص نفسه وقدرته على المغايرة والتفرد والاختلاف وعدم النمطية. بمعنى أنه يتحرك في المساحات التي تزيد رصيده الاجتماعي. وربما يجد أن هناك من ينافسه فيها، كما هو الحال مع مشاهير كرة القدم أو الممثلين وغيرهم.
لكن الرهان هنا على قدرته الذاتية في التفرد من خلال تغذية موهبته بما يجعلها متفردة. فهناك كريستيانو رونالدو واحد وهناك ميسي واحد، وهناك توم هانكس واحد وهناك ميريل ستريب واحدة، هذا كله على سبيل المثال لا الحصر. لأن تكرار أي واحد منهم يعني أن عنصر الشهرة الخاص به قد انثلمت منه ثلمة تجرح معنى شهرته وفرادتها.
أما العناصر الموضوعية والخارجية، فهي كلها تتعلق بقدرة الشخص على استثمار الظروف التي هي في الواقع متاحة للجميع،لكن هنا يحضر دور الذكاء الشخصي الذي يستطيع اقتناص اللحظات المهمة من أجل توظيفها، حين عجز الآخرون عن هذا التوظيف.
نستحضر هنا مثال مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لموقع “فيسبوك” وأحد مبتكريه، حين استثمر الفكرة التي شاركه فيها زملاؤه في الجامعة. لم يكن مارك هنا يحتاج سوى للذكاء والشجاعة في اقتحام العالم الالكتروني عبر فكرة غير مبتكرة،لينطلق بعدها في عالم الشهرة.
كذلك فإن الظروف التي خدمت مارك، هي نفسها التي خدمت خابي لام، الشاب السنغالي الذي يعيش في ايطاليا، حين تحول من عاطل عن العمل بسبب كورونا إلى أحد أشهر نجوم تطبيق {تيك توك} بعدما اعتمد على نقد ممارسات ساذجة وتافهة يقوم بها بعض مستخدمي التطبيق، ليرد عليهم بطريقة صامتة تعتمد الحركات التعبيرية، وبفضل ما ينشره صار يحتل مرتبة متقدمة في عدد المتابعين، فضلا عن حصوله على اموال تقدر بثلاثة ملايين دولار نظير ما ينشره من محتوى، رفع نسبة متابعي التطبيق، هو أيضاً مثل مارك.
تعامل مع الأمر بشجاعة جعلته يتحرك بعيداً في فضاء الشهرة.
التفاهة أيضاً هي عامل شهرة اليوم في عالمنا الذي يتحرك في التطبيقات الافتراضية أكثر من الواقع. ونظرةٌ واحدةٌ في هذه التطبيقات ستكشف لنا عن مقدار المحتويات التافهة، التي يصبح أصحابها مشهورين وتزداد متابعتهم بسبب ما ينشرونه من محتويات غير نافعة، لكنها تثير السخرية.
نحن إذن أمام خيارات متعددة للشهرة، لا تقف عن حدود الإبداع، بل تسير أيضاً في منطقة الانحدار الذوقي. لكن مع هذا نحن مجبرون على فكرة التعايش معها، لأنها في الأقل أضدادنا التي من خلالها نتيقن أننا في المسار الصحيح.