الفواكه والطيور في الأغنية العربيَّة

منصة 2021/06/16
...

  غفران حداد
 
الفواكه والخضار جزءٌ لا يتجزأ من النظام الغذائي للإنسان، لكن يبدو أنَّ جمال الفواكه ونكهتها اللذيذة جذبت كتّاب الأغنية العربيَّة، ويتفاوت نجاح الأغنية بين عملٍ وآخر حسب جمال اللحن أو وصف وخيال الشاعر، وايضاً صوت المطرب.
ما زلت أتذكر في العام 1993 قدم المطرب العراقي صباح الخياط أغنية يصف خد الحبيبة بالمشمش وحكم عليها من قبل الجمهور كأسوأ أغنية ضمن استفتاء الأغاني يقول فيها: "أبو خد مشمشة.. أها أها/ خلاني ومشى... أها أها".
والحق يقال الأغنية كانت تعجب الأطفال وهم يرددون مفرداتها البسيطة "أها.. أها".
أيضا المطرب كاظم الساهر في أغنية (النار أصيح النار) حصة من الغزل بخدود الحبيبة ووصف جمالها بالتفاح حيث كتب الشاعر الغنائي عزيز الرسام في هذه الأغنية:
هي عيونها عيون... بيها الكحل رباني
هي خدودها حدود.. لو تفاح لبناني
وكان جمال وطعم التفاح اللبناني يضرب فيه المثل حين يصف احدٌ من عامة الناس جمال امرأة خصوصاً تورد خديها.
أما المغنية هيفاء وهبي فكسرت القاعدة باستخدام الباذنجان في إحدى أغانيها التي صدرت مؤخراً فتقول في اغنية "توته":
لا لا لا لاه ده كان زمان
فكك مني ولا تكلمني ولا بتنجان
{لو لبكره هتتمسكلني لا تمثلني} حاجة من الآن وهكذا غزت أسماء الفواكه والخضار الأغاني العربيَّة كوسيلة للوصف أو النعت وكأنّ قاموس اللغة العربية فقير بالكلمات الجميلة لوصف الحبيب بكلمات أكثر نعومة وتهذيباً، ولكن ربما يختار كاتب الأغنية العاطفية هذه المفردات كأحد مفاتيح نجاح الأغنية لتصل إلى الجمهور البسيط من الكسبة والعمال وربات البيوت والأطفال، فليس كل فئات الناس تحب سماع قصائد المتنبي والجواهري أو قراءة المعلقات.
تحضرني إحدى السهرات قبل تفشي جائحة (كوفيد – 19) برفقة الأسرة كان المطرب الذي يغني في المطعم اغنية "يامنعنع" والتي صدرت بصوت المطرب المصري مصطفى حجاج.
واستغربت من تفاعل الزبائن وهم يرقصون ويغنون معه على مفردات هذه الأغنية "يابتاع النعناع يامنعنع. يامنعنع/ هات هديه للمتدلع.. اتدلع... اتدلع}، ولاقت الأغنية صدى واسعاً بين الجمهور اللبناني بسبب مفردة يا {منعنع}.
وخلال البحث في أغاني الزمن الجميل وجدت أنَّ مطرب الأجيال محمد عبد الوهاب أيضا تغنى بالفواكه، فلديه أغنية جداً قديمة غناها في العام 1938 وهي من كلمات الشاعر بيرم التونسي وشاركته في الغناء المطربة رئيسة عفيفي يقولان فيها:
"ياللي زرعتوا البرتقال
يلا اجمعوه 
آن الأوان ياللا ياللا 
احنا زرعنا واحنا سقينا
وآدي احنا بعد التعب جنينا
دا بين ايدينا واللي علينا
نعرف نقدر البرتقال
وأظن أنَّ الأغنية قدمت للفلاح المصري لتشجيعه على الزراعة وإنتاج وتصدير المنتوج المحلي إلى الخارج.
وكانت أغاني الأطفال من أكثر ما تميزت باستخدام أسماء الفواكه والخضار، كوسيلة لتعليم الأطفال وترسيخ المعلومات على حفظ أسماء وأشكال الفواكه، ويعدُّ هذا النوع من الأغاني مرجعاً مهماً لمعلمات رياض الأطفال والأمهات.
شخصياً تعجبني الأغاني التي تحمل وصف الحبيب أو مناداته من خلال الطيور وهنالك أكثر من 300 أغنية عربية قد ورد فيها حضورٌ قويٌّ لكل أنواع الطيور.
فمن أغاني الصباح الجميلة التي نسمعها لفيروز غنت: {دخلك يا طير الوروار رحلك من صوبن مشوار
وسلملي عالحبايب وخبرني بحالن شو صار}.
أيضاً في أغنية  (على دلعونا) التي كتبها ولحنها الأخوان الرحباني تقول: {يا طير الطاير قللو مشتاقة وبدي من زهوري وديلو باقة}.
وحتى كوكب الشرق أم كلثوم لديها أكثر من أغنية تحمل أسماء الطير وفي إحدى أغانيها تقول:
يا صباح الخير ياللي معانا
الكروان غنى وصحانا وصحانا
والشمس أهي طالعة وضحاها
والطير أهي سارحة في سماها
عموماً وإنْ اختلف أسلوب كتّاب الأغنية بين الأمس واليوم في استخدام مفردات الحب والوصف بين الطيور والعصافير والفواكه والخضار يبقى الجمال الحقيقي في طريقة الكتابة وإيصال معاني الحب للمتلقي من دون إسفاف أو ابتذال ومن دون تلوث مسامعنا بأغانٍ نشاز لأجل النجاح السريع وجني الأموال على حساب الذائقة العامة.