مع نشر هذا العمود صبيحة هذا اليوم، تكون قد مرّت أقلّ من عشر ساعات على اختتام دورة هذا العام، من أعمال معرض الكتاب الدولي ببغداد. بانتظار الأرقام الرسمية لحصيلة الزائرين خلال اثني عشر يوماً، وحصيلة المشتريات، يمكن القول إجمالاً، إنّ المعرض سجّل هذا العام نجاحاً مشهوداً وفق مختلف المعايير؛ من حيث التنظيم، والفضاء والبيئة المكانية، وانسيابية البيع المباشر وغياب كامل للروتين المعوّق، والأهمّ من ذلك الكثافة المدهشة في الحضور، مصحوبة بكميات شراءٍ أثارت إعجاب الجميع، رغم الغلاء الكبير وأحياناً الفاحش لأسعار الكتب، بديهي من دون تعميم، لأنّ الاستثناءات موجودة على الدوام.
أضف إلى المزايا، النشاطات الجانبية والفعاليات المعرفية والثقافية، معها حضور ذوات ثقافية ومعرفية من العراق وخارجه شاركت في ندوات أو اكتفت بالزيارة، دون أن ننسى إقبال السياسيين وحرصهم على زيارة المعرض. لكن يبقى الانطباع الأهمّ برأيي ومن خلال عدّة زيارات مباشرة، هو كثافة الحضور العام وحجم الشراء، وهما مؤشران إيجابيان، على ازدهار متزايد لعالم المعرفة في بلدنا، بمختلف حقوله؛ سواء ارتبط الأمر بمنتجي المعرفة من باحثين ومثقفين ومفكرين، والوسط المعرفي من ناقدين وقارئين ومتابعين.
ما أراه أنّ هذا الازدهار في «عالم المعرفة» يدفعنا خطوة إلى الأمام باتجاه «مجتمع المعرفة»، وهذا الأخير أخصّ من الأول، وأكثر فاعلية منه، ذلك أن «مجتمع المعرفة» هو ركنٌ لا مناص له، من أركان نهضة العراق وتقدمه.
تبقى ملاحظات نقدية ترتبط بتطوير هذه الممارسة، ودفعها أكثر صوب التكامل والمزيد من الفاعلية. لقد سجّل الزملاء في الصحافة المكتوبة ومختلف وسائل الإعلام، اقتراحات مفيدة على هذا الصعيد، يهمني من بينها تكثيف الحضور أكثر، وحثّه على الشراء. والوسائل إلى ذلك متعدّدة من بينها، أن يفرض المتصدّون للمعرض ضوابط على الأسعار، بحيث يُحرم من المشاركة من يتخطى بأسعار كتبه هذه الضوابط. كذلك بمقدور وزارة الثقافة أو الحكومة بشكل عام تقديم دعم لسعر الدولار لصالح المشتري، كأن يُحتسب بقيمة (750) ديناراً للدولار الواحد، كما تفعل بعض الدول.
رأيتُ داراً واحدة على الأقلّ تقدّم خصماً للكتّاب والباحثين والأكاديميين، وما أراه هو إمكانية تطوير هذه الخطوة، خاصة وأن العمل بها جارٍ في الكثير من الدول، حتى الغنية والمتقدّمة منها.
كما أرى أهمية التفكير من الآن بتوفير بطاقات (بونات، كوبونات) يُزوّد بها طلاب الإعدادية والجامعات، والمعلمين والمدرسين، والإعلاميين، يحصل حاملها على دعم لمشترياته من الكتاب. بحيث يصل الخصم والتخفيض إلى 50%، وهذا أيضاً إجراء معمول به في دول عديدة، لدعم هذه الفئات والمساهمة في الرقيّ المعرفي، ذلك أن الاستثمار في الإنسان عامة وفي عقله خاصّة، يعود بمغانم كبيرة على البلدان، حتى لو حسبنا ذلك بمعيار الربح المادّي، فما ثمة خسارة قط في الاستثمار بالعقول!.