سكّان العالم سيقلون بحلول منتصف القرن

بانوراما 2021/06/17
...

 داميان كيف وإيما بيوبولا 
 ترجمة: خالد قاسم
تواجه دول العالم ركودا سكانيا وتراجعا بمعدلات الخصوبة، وهو انعكاس مذهل لم يشهده التاريخ المدون سيجعل حفلات عيد الميلاد الأول حدثا نادرا أكثر من الجنازات، والمنازل الفارغة منظرا قبيحا منتشرا.
أغلقت أقسام الولادة أبوابها في إيطاليا، وتظهر مدن أشباح بشمال شرق الصين، ولا تستطيع جامعات كوريا الجنوبية إيجاد عدد كاف من الطلبة، أما ألمانيا فهدمت مئات الآلاف من العقارات وحولت أراضيها الى حدائق عامة.
يبدو أن القوى الديموغرافية؛ مثل الانهيار الجليدي؛ تتوسع وتتسارع، وتدفع باتجاه تفوق الوفيات على الولادات. ومع أن بعض الدول تستمر بالنمو السكاني، خصوصا في أفريقيا، لكن معدلات الخصوبة تتراجع في أماكن أخرى. ويتوقع خبراء الديموغرافيا دخول العالم مرحلة انخفاض سكان للمرة الأولى بحلول النصف الثاني من هذا القرن أو قبل ذلك.
ومن الطبيعي افتراض أن كوكبا بعدد سكان أقل سيخفف الضغط على الموارد الطبيعية، ويبطئ التأثير المدمر للتغير المناخي. فقد أظهرت إعلانات التعداد السكاني مؤخرا لدى الصين والولايات المتحدة بطء معدلات نمو سكاني منذ عقود، مع تعديلات يصعب فهمها.
يتسبب ضغط العمر الطويل والخصوبة القليلة بتقليل عدد العمال وزيادة المتقاعدين، مما يهدد بقلب تنظيم المجتمعات، حول فكرة أن فائض الشباب سينهض بالاقتصاديات ويساعد بدفع معاشات كبار السن. وقد يتطلب إعادة تصور لمفهوم العائلة والأمة، فتصّور مناطق كاملة يتجاوز سنّ سكانها 70 سنة، أو تصّور حكومات تنفق حوافز ضخمة للمهاجرين والأمهات ذوي الأطفال الكثيرين، وتصّور وظائف مؤقتة مليئة بالأجداد وإعلانات تروج للإنجاب.
 
نهاية الطفرة
بدأت التداعيات والاستجابات بالظهور فعليا، خصوصا في شرق آسيا وأوروبا. وتعاني الحكومات من هنغاريا الصين ومن السويد الى اليابان بموازنة متطلبات العدد المتزايد من كبار السن مع احتياجات الشباب، الذين يتخذون قرارات إنجاب الأطفال بناء على عوامل ايجابية (مثل فرص عمل اضافية للنساء).
قدّم القرن العشرون تحديا مختلفا جدا، فقد شهد سكان العالم أكبر زيادة في التاريخ من مليار و600 مليون نسمة عام 1900 الى ستة مليارات عام 2000، اذ ازدادت الأعمار وتراجعت معدلات وفيات الأطفال. ولا تزال هذه الآليات مستمرة في بعض الدول التي تمثل نحو ثلث سكان العالم. وقد تجتاز نيجيريا الصين بعدد السكان بنهاية القرن الحالي، لأن الأسرة في أفريقيا جنوب الصحراء لا تزال تمتلك أربعة أو خمسة أطفال.
لكن عصر الخصوبة العالية بدأ بالنهاية في المناطق الأخرى. وتسبب ازدياد حصول المرأة على التعليم ووسائل منع الحمل بتأخير الأزواج للحمل وتناقص عدد الولادات. حتى الدول التي ارتبطت منذ فترة طويلة بالنمو السريع، مثل الهند والمكسيك، تشهد تراجع معدل الولادات الى أقل من طفلين للأسرة الواحدة. وقد يحتاج هذا التغيير عشرات السنين، لكنه عندما يبدأ فسيمتد التناقص أضعافا مضاعفة. 
بعض الدول مثل الولايات المتحدة وأستراليا وكندا، حيث تقل معدلات الولادات عن طفلين، أضعفت تأثير هذه الظاهرة بزيادة عدد المهاجرين. لكن في شرق أوروبا تسبب الهجرة العكسية بتفاقم انخفاض عدد السكان، مع انتهاء {القنبلة الموقوتة الديموغرافية} في أجزاء كبيرة من
آسيا.
من أمثلة ذلك كوريا الجنوبية التي هبط معدل خصوبتها الى أقل من طفل للمرأة الواحدة عام 2019، وهو الأدنى لدى الدول المتطورة. ونتج عن تراجع الولادات وتسارع التصنيع هجرة من الريف الى المدن الكبيرة، مما خلق مجتمعا ثنائي الطبقات. ومع استمرار المدن العالمية بالنمو مثل سيئول، وتسليط ضغط متزايد على البنى التحتية والسكن، نجد أن البلدات يسهل العثور فيها على مدارس مغلقة ومهجورة.
تواجه النساء الحوامل صعوبة إيجاد أطباء توليد أو مراكز رعاية ما بعد الولادة في عدة مناطق، وتعاني الجامعات ما دون مستوى النخبة، وخصوصا خارج سيئول، شغور المقاعد الدراسية لأن أعداد دون سن 18 سنة في كوريا الجنوبية هبط من 900 ألف تقريبا عام 1992 الى 500 ألف حاليا. ولغرض جذب الطلبة، عرضت بعض الكليات زمالات أو حتى أجهزة آيفون.
 
ضرورة التكيف
أما في كابراكوتا، بلدة صغيرة بجنوب ايطاليا، فهناك شعار مكتوب بحروف حمراء على مبنى حجري من القرن الثامن عشر تقرأ “منزل روضة أطفال المدرسة” لكن المبنى اليوم لرعاية المسنين.
انخفض عدد سكان البلدة وتقدموا بالعمر بشكل جذري، من خمسة آلاف تقريبا الى 800، وأغلقت محال النجارة فيها بينما عانى منظمو بطولة كرة قدم لتشكيل فريق واحد.
في بلدة أغنوني، أغلق قسم الولادة أبوابه منذ عشر سنوات لأنه استقبل أقل من 500 ولادة سنويا، وهو الحد الأدنى المسموح به وطنيا لإبقاء هذه الأقسام مفتوحة. وشهدت البلدة هذا العام ولادة ستة أطفال فقط.
تتغير توقعات الولادة حسب استجابة الحكومات والأسر، لكن مجلة لانسيت نشرت العام الماضي أن 183 دولة من مجموع 195 ستمتلك معدلات خصوبة أقل من مستوها بحلول العام 2100.
يظهر نموذج العلماء تراجعا حادا في الصين على وجه الخصوص، اذ يبلغ عدد سكانها أقل من مليار ونصف مليار نسمة وسيتراجع الى 730 مليون عام 2100. وإذا حدث ذلك فالهرم السكاني للصين سينقلب كثيرا، فبدلا من قاعدة الهرم لعمال شباب يعيلون مجموعة أصغر من المتقاعدين، سيتساوى عدد الشباب مع كبار السن.
بدأت دول كثيرة بتقبل الحاجة 
للتكيف. 
فكوريا الجنوبية تضغط باتجاه اندماج الجامعات، أما اليابان حيث تفوق مبيعات حفاظات البالغين نظيراتها للأطفال، فقد دمجت بلدياتها بسبب تقدم المدن بالعمر والانكماش السكاني. وحولت السويد بعض موارد المدارس الى رعاية كبار السن لبعض 
المدن. 
وتنظر ألمانيا بزيادة سن التقاعد الى 69 سنة بعد أن رفعته الى 67 سنة، وقد بالغت ألمانيا بتشريع برنامج التقلص الحضري، إذ أزالت عمليات الهدم 330 ألف منزل منذ سنة
2002.
لكن علماء الديموغرافيا يحذرون من اعتبار هبوط عدد السكان سببا للقلق، ويقولون إن نساء كثيرات لديهن أطفال أقل بسبب رغبتهن بذلك، وقد يؤدي انخفاض السكان الى زيادة الأجور والمساواة وتقليل انبعاثات الكاربون وارتفاع مستوى المعيشة للأطفال القليلين حديثي 
الولادة.
 
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية