طالما اسمع من بعض الشعراء حين توصف قصائدهم ونصوصهم الشعرية بـ (الغموض) ان (المعنى في قلب الشاعر)، ويذهب مبتسما ابتسامة غامضة ايضا ، ويتخذها ملاذا آمنا له من محاولات الذين يشكلون عليه عدم الوضوح، ويرمي تعليلاته الى انه يعني ما يعني او انها خاصة له ، حتى ان اتهمت بنصوصه بغير الجيدة مثلا ، فهو يرى ان ما يراه الاخر لا يعنيه وان المعنى له مكانة في قلبه يبتهج بها ، واذا بررنا للشعراء ذلك في زمن الطغيان وتكميم الافواه ، فلماذا الان ؟ هنا حاولنا ان نرفع هذه المقولة بحثا عن اجابة عند الشعراء بصيغة سؤال هو : الى أي مدى يمكن ان نصدق مقولة ان (المعنى في قلب الشاعر) ؟ وهل هذا يعني ألا نطلب من الشاعر توضيح المعنى ؟
فقد اكد الشاعر علي الامارة ، انه ليس مع هذه المقولة ، وقال : اعتقد ان هذه المقولة قيلت لسد الفراغ في بعض الغموض الذي يكتنف القصائد التي تنطوي على العمق والتحليق في المجاز الشعري بعيدا عن قدرة المتلقي العادي .. اي انها مقولة تشير ضمنا الى الكسل في التلقي لدى الكثيرين فيرمون الكرة على قلب الشاعر .
واضاف:انا لست مع هذه المقولة فالشاعر لا يقول طلاسم وألغاز ،انه يفتح قلبه للمتلقي فليس عنده ما هو مخفي سوى مساحة التأويل التي تضيق احيانا وتتسع احينا اخرى ..
وحين سألته : ألم يسبق لك ان كتبت قصيدة فيها هذا الغموض؟ أجاب : انا لا اذهب الى الغموض المفتعل او التعتيم في القصيدة ،فعندما اتوغل في المعنى اترك مفاتيح التأويل ورائي للمتلقي الذي يجيد استخدام مفاتيح المجاز الشعري.
اما الشاعر صلاح حسن، فقد اكد انه يفهم نصه جيدا ، ولا يعترف بهذه المقولة ، فقال : لا يوجد اي معنى في قلب الشاعر وان اراد ان يكون ذلك المعنى يحدده القارئ وفق ذائقته وثقافته،ثم يستطيع الناقد المثابر ان يبين هذا المعنى من خلال تفكيك البنية اللغوية واعادة صياغتها وتفسير الصور الشعرية اذا كان يحيطها بعض الغموض.
واضاف: هناك فرق بين الغموض والتغميض، يتقصد بعض الشعراء الكتابة بغموض لكي يوحون للقراء انهم عميقون لكن لان هؤلاء الشعراء غير جادين او غير عارفين لمهمة الشعر يستخدمون التغميض.
وتابع: انا افهم نصي جيدا واعرف كيف يبدأ وكيف ينتهي وكيف سيتلقاه القراء، وعندما كنت في العراق كنت اكتب نصوصا ملغومة لكن بعد ذلك كنت اكتب بوضوح شديد.
وحين سألته : يعني انت كتبت (المعنى في قلب الشاعر) ؟، فأجاب : لا ، والا لماذا تعاطف الكثير من القراء من قصيدة (رماد المسلة) التي سببت لي مشكلة كبيرة مع نظام البعث الساقط في بداية التسعينيات.
من جانبها اعربت الشاعرة جنان الصائغ انها ضد من يتعكز على هذه المقولة هربا من القارئ ، وقالت : يكون التفوُّه بهذه الجملة صحيحاً عندما يكون البيت الذي كتبه الشاعر فيه نوع من التورية ، أي الإيتاء بكلمةٍ معناها قريب من السامع ، ولكن في الوقت نفسه الشاعر يقصد بها معنى بعيداً عن ذِهن ذلك السامع أو القارئ....واحيانا بعض من الشعراء وليس الكل حين تخونه المفردة يتعكز على هذه المقولة هروبا من ان يوصل الفكرة
للمتلقي..
واضافت : من حق القارئ السؤال اذ لم تصله الفكرة بالتأكيد علما ان اغلب الشعراء بدأ يستخدم المفردة غير المفهومة لذلك يتعذر على القارئ احيانا فهم النص.
وحين سألتها : هل سبق لك ان كتبت عملا يهذه المقولة؟ قالت : لا ، لكن هذا رأيي من زمان.
الى ذلك اشار الشاعر عدنان الحيدري الى انه عمل بها بقصد تمرير معنى بطلبه ،
وقال : الشعر المكتوب على درجه من الفهم والمعقولية والبعيد عن الغموض غير المبرر يظل رهين ذات الشاعر نفسه وعلى هذا من غير المعقول التماس التوضيح من الشاعر .
واضاف: الشاعر غير مطالب بتفسير للمتلقي , وايضا لايجب على الشاعر ان يدخلنا في متاهات التعتيم الشعري بحجة الكتابة بحداثوية او مغايرة .. انما التعويل في الاختلاف بعمق الرؤيه وقوة الاسلوب والتمكن في اللغة .. اي جملة الاساليب العاملة في بنية النص الشعري .
وتابع : مقولة المعنى في قلب الشاعر كلام عفى عليه الزمن وأضحى التاويل وقدرة النفاذ الى قلب النص وتقبلّه ابداعا" لغويا" .. هو المعول عليه .
وحين سألته : هل سبق ان كتبت شعرا معناه غامضا؟ قال : نعم ..، ياتي هذا ضمن سياق الجمله بقصد تمرير معنى اطلبه وليس من اجل التلاعب بحذلقة او الفات نظرالقارئ بكتابة نص مغاير او تقليد اعمى لشاعر معين .., مرة كتبت نصا" شعريا في ديواني الاول اضطررت لان أعتّم على موضوعة الحرية .. اضطررت لان استعير نصا" من فن مجاور .. واشرت لذلك , ولكني ابدا" لا اتفق مع شاعر يضبب شعره من اجل اللآمعنى .