السخرية واللامبالاة.. سمة التعامل على مواقع التواصل الاجتماعي

ريبورتاج 2021/06/21
...

 بدور العامري 
بدت ملامح الانزعاج وخيبة الأمل واضحة على وجه وكلمات شيماء عوض طالبة الماجستير في العلوم السياسية، بسبب معاناتها مع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي: (الفيس بوك، تويتر والانستغرام)، اذ كثيراً ما تواجه أساليب الاستهزاء والسخرية والتعليقات غير المسؤولة، تجاه قضايا واحداث سياسية واجتماعية تخص عملها البحثي المتمثل بالاستبيانات والمسوحات.
نقص الوعي والثقافة
الدكتور احمد عباس الذهبي، اختصاص علم النفس في جامعة بغداد ارجع انتشار ظاهرة السخرية والاستهزاء بشكل واسع في وسائل التواصل الاجتماعي الى عدة أسباب، أولها قلة الثقافة والفكر للأفراد الذين يتبعون هذا النهج في تعليقاتهم قائلا: انتشرت السخرية والتهجم والاستهزاء والتنمر على الآخرين عند طرح المواضيع الهادفة على الفيس بوك او تويتر، اذ نجد الكثير ممن يضعون كلمات سخرية من موضوع حيوي وهادف، والسبب في ذلك ترجعه الدراسات النفسية الى أن اكثر الأشخاص الذين يستهزئون، وربما تكون كلماتهم جارحة وفيها الفاظ السب والشتيمة، هم من قليلي الثقافة ومحدودي الفكر، لأن هذه التصرفات لا تصدر عن شخص واعٍ يمتلك ثقافة ذات مستوى جيد تسمح له بإدارة الحوار بشكل طبيعي وموضوعي.
 
عُقد نفسيَّة
 وتابع الدكتور احمد عباس حديثه حول الاسباب الاخرى التي تجعل الأشخاص يميلون الى اسلوب السخرية والاستهزاء والانتقاص من الاخرين، ومنها انهم يعانون من عقد وامراض نفسية بعضها ينتج بسبب سوء التنشئة الاسرية منذ الطفولة او اضطراب الشخصية وحب الذات، والرغبة في إيذاء الاخرين وتدمير نفسياتهم، وهو ما يدل على عدم الاتزان النفسي والافتقار الى الاخلاقيات، لذلك يجد المختصون ان المستهزئ هو شخص يفتقد الثقة بالنفس، فيعمل على التقليل من شأن الاخرين ليعوض النقص الذي يعاني منه، وأشار الذهبي الى أن {فعل السخرية كتصرف نفسي يمكن أن يحوي الكثير من المعاني والاسرار التي تتعدى كونها جملة خرجت من لسان صاحبها، فتحدث أزمات وكوارث، اضافة الى ذلك يمكن أن يوصف هذا السلوك في حال استمراره بأنه ثقافة مجتمع}.
 
تهديد السلم الأهلي
وعن خطورة ظاهرة السخرية والاستهزاء وتأثيرها المباشر في السلم الأهلي والقومي، خاصة عندما نجدها منتشرة في البلاد العربية وليس العراق فحسب، تحدث الذهبي قائلا: بعد بروز عصر تكنولوجيا المعلومات وانتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها أصبحت السخرية تنتشر بطريقة مؤذية وغير إنسانية وتهدد السلم الأهلي والقومي، نتيجة للفوضى التي يمارسها الكثيرون في هذا الفضاء المفتوح بأسماء حقيقية وأخرى مستعارة، وبالتالي يمكن أن يتحول هذا السلوك الى خطر يحدق بالفرد والمجتمع على حد سواء، حين يتناول شعباً ما بالسخرية من لغته او لهجته، وفقره او جهله او عاداته وتقاليده، مؤكدا أهمية أن يمتلك شبابنا اليوم ثقافة الفكر والتعمق في كل ما يتم طرحه، ولا يقعون فريسة لمن يريد بث سمومه على الاخرين، وهو كاللص المتخفي خلف اسم مستعار.
 
رأي شرعي
الشاب محمد حسين (24 عاما) طالب في الحوزة العلمية في النجف الاشرف وهو احد الأشخاص الذين عانوا من ظاهرة السخرية والاستهزاء في مواقع التواصل الاجتماعي، اثناء طرحه للمواضيع التوعوية  على تلك المنصات، اذ قال {دائما ما اواجه سيلا من التعليقات غير الأخلاقية عند نشر موضوع تثقيفي او مناقشة ظاهرة اجتماعية معينة، اذ تبدأ بالضحك والاستهزاء وتنتهي بالسب والشتم والتطاول على الرموز العلمية والدينية بمختلف مسمياتها}، مبيناً أن طبيعة دراسته تحتم عليه أن يكون قريباً من المجتمع وخاصة فئة الشباب، بهدف تقديم مبادئ واخلاق الدين الإسلامي الحنيف بطريقة سلسة تتماشى مع ظروف الحياة، بعيدا عن التنظير والتعقيد، واضاف {يجب الابتعاد عن هذه الممارسات التي نهانا عنها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله (لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم)، لأنها تجلب الضغائن والاحقاد والتقاطع بين الناس، وان كانت السخرية تأتي بمسمى الضحك او المزاح، فلا يجوز الخلط بين الأمور لان المزاح له ظروفه واشكاله ودوافعه وهي كلها مفصلة في القرآن الكريم واحاديث الرسول المصطفى، فمن الجهل والاثم الكبير نشر مثل هكذا ممارسات واتباعها على انها موضة العصر}.
 
ضغوط الحياة
للمواطن حمزة إبراهيم (39 عاما) رأي خاص في هذا الموضوع، اذ يجد أن التعامل بسخرية وعدم الجدية يفيد في التخفيف من أعباء الحياة اليومية التي فرضتها عليهم الأنظمة السياسية، وبالتالي انعكست على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وأضاف، {لقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار السخرية واللامبالاة تجاه المواضيع المتداولة، بهدف التنفيس عن هموم الناس وما يعانونه من ضغوطات الحياة اليومية بشكل ساخر، فهم يجدون من هذه المنابر بيئة لتبادل التعليقات المضحكة والهزلية للتخفيف من صعوبة الواقع او الاحداث التي يمر بها الأشخاص، فقدمت أسلوباً جديداً في التعامل مع المشكلات والأمور التي تواجههم، متمثلا بعدم الجدية بشرط ألا يخرج عن اطار الاخلاق والذوق العام في التجاوز على الآخرين}. 
 
عمل تكاملي
وللحيلولة دون اتساع مثل هكذا ممارسات سلبية لها آثار تهدد الامن المجتمعي على المدى البعيد لابد من التفاتة حقيقية من ذوي الاختصاص في محاربة الظواهر والممارسات الاجتماعية الهدامة، اذ دعت السيدة ليلى عبد الهادي المختصة الاجتماعية الى أن تتضافر الجهود لوضع حد لمثل هكذا ممارسات سلبية تعمل على تهديم البناء الاجتماعي للبلد بفعل السخرية، واثارة الخلافات العنصرية والطائفية، ونشر الكراهية والاحقاد بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فقالت {يجب أن يكون هناك عمل تكاملي تضطلع به عدة مؤسسات ينبع من اللبنة الأولى للمجتمع، وهي الاسرة واهمية دورها في التنشئة السليمة لابنائها وتربيتهم على مبادئ التعامل الأخلاقي وتقبل الرأي الاخر، مرورا بدور المدرسة والمؤسسات التعليمية الأخرى تباعا في ترسيخ المفاهيم البناءة، ونبذ كل الممارسات التي تنشئ جيلاً ضعيفاً ثقافيا واخلاقيا يحاول النيل من الآخر ليعوض النقص الذي بداخله، فضلا عن  الدور الكبير المناط بمؤسسات المجتمع المدني والجهات الحكومية الأخرى في نشر الوعي الثقافي للشباب على وجه الخصوص، كونهم الأكثر استخداما لوسائل التواصل الاجتماعي، عن طريق ورش العمل وعقد الندوات التثقيفية في هذا المجال}.