هل أسهمت دور النشر بالتعريف بالكاتب العراقي؟

منصة 2021/06/22
...

  عمار عبد الخالق
مع التطور التكنولوجي الكبير الذي شهده قطاع النشر والكتاب وتزايد أهمية وسائل التواصل الاجتماعي كمنصات حيويَّة للترويج وتسويق المنتجات الإبداعيَّة، يظل السؤال الذي يتبادر في فكر الجميع من كتاب ونقاد وقراء ومتابعين يتعلق بمدى التعريف بالكاتب العراقي عربياً وعالمياً.
 
فمنذ تأسيس دور النشر العراقية الأولى، ومن بعدها الدار الرسمية التابعة لوزارة الثقافة المعروفة بـ(دار الشوون الثقافية العامة)، وصولاً الى الدور الكثيرة التي انتشرت في بغداد والمحافظات الأخرى بعد 2003، والتي لاقت استحساناً من المؤلف والقارئ بشكلٍ العام، ونلاحظ أنَّ هناك تفاوتاً كبيراً صنعته دور النشر بطباعة كتب الروايات والقصص والدراسات النقديَّة مع ندرة في طباعة الكتب العلميَّة والفكريَّة.
من جانب آخر ظهرت الكتب الالكترونية التي تحقق انتشاراً ومكانة واضحين عبر تأسيس جوائز ومعارض للكتب الرقميَّة والندوات افتراضياً على منصات التواصل الاجتماعي، ربما الأمر يتعلق بصورة كاملة في دعم الحكومة للناشرين والكتاب من أجل تخفيض سعر الكتاب، ليسهم ذلك في تكريس وصناعة قيمة أدبيَّة ومعرفيَّة شاملة.
من أجل معرفة هل حققت دور النشر النجاح عربياً لتضاهي دور النشر العربيَّة الأخرى بالانتشار معرفياً مثل الدور المصرية واللبنانية، أجرينا هذا الاستطلاع مع نخبة من الذين أثروا المشهد الأدبي والثقافي بالمعرفة لتشخيص مواطن الخلل.
 
غيّاب التخطيط العلمي للنشر
الناقد العراقي حاتم الصكَر لا يظن أنَّ بقدرة المشروعات الصغرى والوسطى أداء هذه المهمة، لا سيما ما يتعلق بآليات التعريف بالنتاج العراقي، ومسالك انتشار المطبوع والخلفيات اللوجستية المتصلة بالعمل، فضلاً عن غياب فلسفة واضحة لتقديم الأدب العراقي والثقافة بالشكل العلمي الحضاري، وعدم المشاركة مع الناشر العربي في التسويق والانتشار عربياً وعالمياً على الرغم من أنَّ دار المأمون كانت لديها تجربة جيدة لولا ما شابها من انتقائيَّة وتعثر، وإخضاعها خلال المرحلة السابقة لايديولوجيا ضيقة تفرض أدبياتها.
وأضاف الصكَر: «بوسع الناشر العراقي المغترب المساعدة في الأمر، وكذلك التخطيط المدروس بعيد المدى عبر الهيئات المسؤولة في وزارة الثقافة}.
وأشار الى أنَّ «الناشر الأهلي بحاجة لدعمٍ كبيرٍ متعدد المستويات لإنجاز هذه المهمة”.
 
الدور العراقية تنافس عربياً
في حين قال الناشر العراقي فارس الكامل صاحب دار المعقدين: إنَّ الدور العراقية حالياً من أهم الدور العربية وأصبحت تنافس بقية الدور، وقامت بإيصال الأدب العراقي وأقصد هنا الرواية وبقية صنوف الأدب والدراسات ما عدا الشعر بوصفه هو السابق زمنيا بالانتشار}.
وأضاف الكامل أنَّ «الأجنحة العراقية في جميع المعارض العربية تلقى اهتماماً خاصاً من القراء العرب.
ودخلت الساحة العربية الأدبية والفكرية أسماءٌ عراقيَّة يتتبع إبداعها القارئ ويترقب جديدها في كل الوطن العربي}.
 
إمكانيات ضئيلة
وأوضح الشاعر العراقي عدنان الصائغ: «من دون أنْ نغمط محاولات بعض دورنا العراقية الجادّة في إيصال كتابها إلى رفوف المكتبات العربية والعالمية، لكن يمكنني الجزم بأننا عراقياً بل وحتى عربياً ما زلنا نحبو أمام الإمكانيات الهائلة لدور النشر العالمية، لهذا لا تتفاجأ إنْ أخبرتك أنَّ دار نشر فرنسية واحدة مثل (غاليمار) تصدر من الكتب أكثر ما تصدره كل البلاد العربية من محيطها إلى خليجها”.
وأضاف الصائغ: «وفي ذلك عوامل عديدة تبدأ من دوائر التوزيع البائسة، والتقاطعات والتابوهات العربية، ولا تنتهي بالكاتب نفسه، ولا بالعزوف الخطر لقارئنا العربي عن القراءة بالإجمال.
وقد ذكرت ذلك وأكثر في كتابي (القراءة والتوماهوك) لتلمس الأسباب الواضحة والفاضحة لحال الكتاب عندنا}.
 
مرحلة التأسيس
أما الروائي العراقي شهيد شهيد فكان له رأي آخر: «من خلال تجربتي ككاتب أرى أنَّ دور النشر العراقية ما زالت في مرحلة التأسيس؛ لذلك أعتقد أنَّ تقييم التجربة بحاجة الى شيء من التأني.
حضور تلك الدور في الأوساط العربية صار واضحاً في الآونة الأخيرة، إذ بدأت دور النشر العراقية تطور نشاطاتها وصار لبعضها حضورٌ في معارض الكتاب العربيَّة، كما أنها بدأت تجتذب القارئ العربي لإصداراتها وهذا ما أسهم نسبياً بإيصال اسم الكاتب العراقي ومنتجه الى خارج الأوساط المحلية، برأيي إنَّ دور النشر العراقيَّة عليها الانتقال الى مرحلة أخرى تتجاوز فيها مرحلة التأسيس التي أشرت إليها}.
 
لا تصنع المعجزات
الشاعر والمترجم العراقي عبد الهادي سعدون أشار إلى أنَّ الأمر يحتاج لسنين طويلة، فدور النشر لوحدها ليست قادرة على صنع المعجزات، بل تحتاج لتكاتف جهات عدة كما هي عليه الحال في دول العالم المختلفة من تشجيع على النشر والترجمة والتواصل بلغات أخرى.
مع ذلك لا بُدَّ من التاكيد على أنَّ دور النشر العراقية بعد سقوط الطاغية قد صنعت بظرف سنين قليلة ما لم تصنعه دور عريقة أخرى في العالم من حيث الإنتاج الكمي والنوعي، وهذا بحد ذاته إنجاز كبير يتطور ويتقدم مع مرور الأيام.
ومن هنا تكون الخطوة الأولى والأهم لوصول الأدب العراقي الى العالم مع التأكيد مرة أخرى أنَّ الأدب العراقي قد وصل ولو بخطوات بطيئة، لكنه متواجدٌ ومعروفٌ من خلال أسماء وكتب بعينها}.
لا تتجاوز الـ10
بلال ستار محسن مدير دار سطور أكد أنَّ «دور النشر العراقيَّة هي قليلة أساساً ولا تتجاوز العشر دور كانت قادرة على إيصال الكتب العراقية الى المحافل والكرنفالات الثقافية العربية، على الرغم من القرارات المجحفة بحق عملية النشر وعدم تصدير الكتاب عربياً وعالمياً 
لغاية 2018}.
وأضاف: «دور النشر العراقية حققت نجاحات مبهرة بعد الفوز بالجوائز الأدبية المهمة في المشهد الثقافي العربي مثل البوكر والطيب الصالح والملتقى في الكويت وكتارا وغيرها، وهذه هي مسؤولية الدار بتوصيل الرسالة العلمية والأدبية والحضارية للبلد الى البلدان الأخرى}.
 
لم تكن مؤهلة
الكاتب الروائي العراقي محسن الرملي أوضح قائلاً: «لا شك أنَّ دور النشر هي الجسر الرئيس لإيصال الكاتب الى المتلقي، ولكنها ليست العنصر الوحيد في عملية الوصول هذه، فالامر يعتمد اولاً على الكاتب ومدى جودة عمله، ولهذا فان دور النشر الجيدة هي تلك التي تعرف كيفية اختيار ونشر الأعمال الجيدة، ما يعني أنَّ كلاً منهما، الكاتب والناشر، يعتمد في جودته ونجاحه على الآخر، تأتي بعد ذلك عناصر أخرى، منها الصحافة والفعاليات الثقافية المتنوعة}.
وأضاف الرملي موضحاً : وبالنسبة للاعمال العراقية الجيدة، اعتقد بانها وصلت الى القارئ العربي بشكلٍ أو بآخر وصرنا نشهد لها حضوراً في المعارض والمكتبات والصحافة العربية ويتم تناولها في الدراسات الاكاديمية في الجامعات، أما عالمياً فالامر أقل بالطبع، ولكن على الاقل صار بامكان اي مهتم او باحث باي لغة أنْ يجد عملاً عراقياً أو أكثر مترجماً الى لغته، بعضها صادر عن دور نشر مهمة ومعروفة وبعضها عن دور نشر صغيرة، وهذا أمر مهم رغم قلته 
وبدايته}.
الشاعر علي إبراهيم الياسري الفائز بجائزة دار الرافدين لفئة الشعر كان له رائيٌ آخر: «من سوء الحظ أن الولادات المفاجئة التي أنتجت دور النشر العراقية بعد 2003 كانت متواكبة مع ولادة سلطة برامج التواصل الاجتماعي؛ حتى صارت دار النشر (مع استثناءات بسيطة) تتلقى أوامرها بالعلن من فيسبوك وتويتر وإنستغرام، وغابت تلك الرمزية التي تحظى بها الكتب، وتضعضعت خلف صورة الكاتب الشخصية.
هناك فرصة ضيعتها المصادفة، فرصة أن تستقل الدور فعلاً، عن الجمهور الطارئ والعرضي والعابر، وأن تؤسس جمهورها الحقيقي. فضلا عن هذه المصادفات الحزينة، هناك تلكؤ واضح مرده إلى تحزب الناشرين، لا أقصد العلاقات التي يجدر أن تكون، بل التعصب أو التواطؤ مع كتاب معينين لأسباب بعضها (وضيع)، فضلاً عن أسباب أخرى تتعلق بانحدار الكاتب نفسه والجمهور}.