هل ستندلع الحرب في الصومال من جديد؟

بانوراما 2021/06/22
...

  مايكل روبين
  ترجمة: شيماء ميران
ما زال فيلم (سقوط الصقر الأسود)، والقرصنة المصورة في فيلم (كابتن فيلبس) يشكل صورة الصومال لدى الاميركان. فعلى مدى سنوات، كانت هذه التصورات غير منصفة، إذ شهدت سنوات 2010 - 2014 نحو 350 عملية قرصنة وهجوم، اضافة إلى ثماني هجمات خلال الاعوام الخمسة التالية، اما اليوم فتحدث معظم هجمات القرصنة في خليج غينيا، حيث تحدث تسعون بالمئة من حوادث الخطف وسط البحر. 
 
وتشهد مدينة غاروي عاصمة اقليم بونتلاند استقرارا أمنيا أدى إلى ازدهار الاعمال والبناء فيها، والسماح لمواطنيها والزائرين بالتجوال في المطاعم والمقاهي بلا حماية. كما تزدهر مدينة كيسمايو، العاصمة التجارية لولاية جوبا، تحت رئاسة الشيخ أحمد مادوبي، رغم إن ريفها اقل أمانا من بونتلاند.
ومع ذلك تبقى العاصمة الوطنية مقاديشو تعمها الفوضى، وبالتأكيد يتحمل الصوماليون المسؤولية القصوى عن ضعف الامن فيها، لكن اللوم الاكبر يقع على المجتمع الدولي وواشنطن والامم المتحدة بسبب ارتباك الانفاق المالي في البلاد. فمنذ العام 1991 قام المجتمع الدولي باستثمار نحو50 مليار دولار في الصومال، واُهدرت معظمها. ولا ينبغي ان يكون هذا مفاجئا لجون درايسدال الدبلوماسي، الذي قضى سنوات من عمله الصومال، ولانه يُتقن اللغة الصومالية فقد قدم المشورة للعديد من رؤساء وزراء الصومال، وحذر من «الانتهازية التي تمثل العامل الرئيس لبقاء الصوماليين تحت ظروف «السافانا»، وقد تحولت الأجيال الاخيرة من السكان بسهولة إلى استغلال الاموال الاجنبية». وكانت النظرية واقعية، فلطالما صنفت منظمة الشفافية الدولية الصومال بأنها اكثر دول العالم فسادا. بينما يمارس دونالد ياماموتو السفير الاميركي وجيمس سوان الدبلوماسي الاميركي السابق ورئيس بعثة الامم المتحدة الضغوط لتخفيف الديون ولغرض رعاية الحكومة المركزية، لكن المشكلة ان ستراتيجية كهذه لا تنفع في الصومال. فقد دعم الدبلوماسيان ياماموتو وسوان، الرئيس محمد عبدالله فرماجو خارج الدستور، لكنه استغل الموارد المقدمة في معاقبة منافسيه السياسيين بنحو اكثر من محاربة الارهابيين او إعمار البلاد.
وعلى مدى شهور قوض فرماجو، الذي انتهت دورة رئاسته مؤخرا، نزاهة الانتخابات التي قد تستبدله برئيس آخر. وبينما أكد الرئيس الصومالي على حق تمديد رئاسته كما فعل بعض اسلافه للتهيؤ لانتخابات جديدة، كان تصرف فرماجو فرديا بدلا من الحصول على إجماع لهذه الخطوة. ما اثار حفيظة المعارضة ودعت الى التظاهر السلمي وسط العاصمة مقاديشو، لكن قوات فرماجو ردت بفتح النار على الحشود التي تضم اكبر منافسيه.
 
استغلال القوات الخاصة
في اواخر شباط الماضي ناقش رئيس إقليم بونتلاند سعيد عبد الله داني وضع الصومال، حيث قدم نفسه بأنه من أكثر القادة السياسيين الصوماليين العقلاء والفاعلين. وحذر بوضوح من ان تصرف فرماجو وتسامح المجتمع الدولي معه قد يعيد البلاد الى فوضى فترة التسعينيات. وقد دعمت اميركا والامم المتحدة والاتحادين الاوروبي والافريقي النموذج الفيدرالي للبلاد والذي يحقق التوازن بين الحكومة المركزية والأقاليم. وأكد داني ان فرماجو ألغى ذلك بشكل فردي. وسعى الدبلوماسيان ياماموتو وسوان لتعزيز السلطة الفردية على حساب النظام. ونبه داني الى تهديد فرماجو باستخدام القوات التركية الخاصة والمدربة (غورغور) وشرطة هاريموكاد الخاصة واللتين استغلهما بوضوح ضد خصومه السياسيين، وأكد داني انه لن يستسلم، وأن لديه قوات تحمي حكومة اقليمه. ونوه بأن القوات الخاصة، ومنذ تسلم فرماجو الرئاسة، لم تدخل الا في مواجهات مع المنتقدين السياسيين، وليس مع جماعة الشباب الارهابية التي اُنشئت تلك القوة لغرض مكافحتها.
ويبدو أن مصداقية المجتمع الدولي على المحك، فيقول داني انه عندما حذر مع بقية قادة الأقاليم كلا من ياماموتو وسوان وبقية السفراء من مخاوفهم، ما لم يساعدوا في وقف انتهاكات فارماجو للاتفاقات السابقة، اكتفى المجتمع الدولي بالإشارة لإتفاق 17 أيلول، الذي تضمن موافقة فارماجو وخمسة من قادة الصومال الفدراليين على نموذج للانتخابات. حيث رفض فارماجو الالتزام بالاتفاق في النهاية، وعادة ما تفشل التدخلات حين يخل احد الاطراف بالاتفاقات ويفلت من العقاب. وبيّن داني إن المسألة لم تعد اتفاقية 17 ايلول، وانما عدم وجود اتفاق خلال قمة شباط الماضي، ما جعل فارماجو يستخدم القوة ضد المعارضة.
إن عملية تمويل المجتمع الدولي، بما فيها اميركا، لقوات فارماجو التي يسيطر عليها الآن، تفسح المجال لواشنطن بالتدخل دبلوماسيا، واثارة التساؤلات حول إدارة الأمور في ظل وجود السفير ياماموتو وادارة الرئيسين دونالد ترامب وقبله باراك أوباما لجهود مكافحة الارهاب. الوضع اليوم محزن جدا، لدرجة أن داني ومودوبي لا يمكنهما السفر الى مقاديشو خوفا من ان يتم اغتيالهما على يد فارماجو. 
لم يكن خطاب داني مبالغا فيه، وإنما كان تحذيرا واضحا. فقد فشل فارماجو وهو يسعى اليوم لإفشال الانتخابات بدلا من مواجهتها، كما فشل ياماموتو وسوان، فقد تصرفا كحكام استعماريين، وحاولا دعم شريكهما، وجميعهم غير مستعدين للاعتراف بالفشل. وقد يموت بسبب تكبرهم عشرات الآلاف من الناس.
واليوم الصوماليون والمجتمع الدولي أمام خيار: إما حرب اهلية أو نفي فارماجو. فلم يعد هناك حل وسط.
 
عن موقع ناشينال انتريست الأميركي