بلاد ما بين النهرين وازمة المياه

منصة 2021/06/23
...

  صباح محسن كاظم
 
الوطن المقدس بلاد الخصب، والنماء، بلاد السواد، والزراعة، والنخيل، والمحاصيل المتنوعة من الفواكه والخضراوات، فضلاً عن البلد المصدر للحنطة والشعير، والمنتجات الزراعيَّة بمختلف الغلات لعقودٍ خلت من القرن الماضي، صار يعاني بسبب كثرة السدود من جيرانه تركيا - إيران شحاً في المياه، وأزمة حادة في التصحر، ومحاولات جفاف 
الأهوار.
ثمة نقص حاد بالإمدادات المائية للعراق من دول الجوار وهذا إجحاف بعلاقات الجوار، لعلّ أهم الموضوعات والمشكلات التي تواجه شعبنا بالعراق الجفاف، والتصحر، وانخفاض منسوب الكميات من الحصة المائية، التي تصل من تركيا عبر دجلة والفرات وروافدهما.. تلك النسبة المنخفضة تؤثر سلباً في بيئة بلاد ما بين النهرين، لأنَّ الإمدادات المائية لنهري دجلة والفرات من المنبع الى المصب تقع عليها مدننا العراقية، وحصتنا من تركيا غير كافية للسقي والاستخدام البشري؛ فالسدود المقامة بتركيا وسوريا وقطع الروافد من الكارون على البصرة، ومحاولات تجفيف الأهوار الفردوس الأرضي مدن الماء والطين.. والقصب.. والحياة الاركولوجية، والاحيائيَّة المتنوعة، وبالتالي حصول التصحر، وزحف الكثبان الرملية على المدن بسبب الجفاف.
ثمة ندرة بالكتب التي تناقش قضايا ستراتيجية ومستقبليَّة كموضوع المياه بالعراق، وتراجع الإمدادات المائيَّة من دول الجوار، وبالتالي ينعكس على الواقع الاقتصادي، وانخفاض الإنتاج الزراعي.. وانتشار التصحر بالوسط والجنوب.. كل كتاب الانثرويولوجيا والتاريخ يؤكدون نشوء الحضارات بجوار الأنهار، فالماء سر الوجود وسر الخلق والتكوين وتهتم الشعوب بمصادر المياه وبيئة الأنهار، إلا نحن نهمل أساس الحياة.
قرأت كتاباً نادراً ومهماً ومفصلاً (العطش المر في وادي الرافدين بين التخريب والتنظيم وتعسف الجوار) صدر عن بغداد عاصمة الثقافة برقم (193) بـ592 - عبد الرضا عبود الحميري عن المياه والفيضانات والسدود والاتفاقات الدولية ومعالجة الأزمة المائية الجديدة، يُحذر المؤلف من الجفاف القادم الذي ينتج عنه التصحر بينما نحن بغفلة وتراخٍ وتماهل من العدو المتربص بالقادم الذي يحيل أرضنا لليباب.. بينما الكتاب الذي أعرضه هنا: 
(إمداد ماء الشرب في العراق - مشكلات الحاضر وخيارات المستقبل)، سبقه بتناول الموضوع حيث صدر عام (2009) للمهندس والكاتب (لطيف عبد سالم) عن مطبعة العدالة - ط1 بـ(228) صفحة، وقد ورد بمقدمته 10-13: (... ولعل هذا العمل مناسبة نلفت بها أنظار الجهات المسؤولة إلى ضرورة العمل على توسيع آفاق المساهمات البحثيَّة والارتقاء بها وتأمين لوازم المناخ الملائم لتنفيذ توصيات البحوث وأدواتها المقترحة، فضلاً عن توسيع فرص المساهمات البحثيَّة في إغناء خطط الأجهزة الحكومية وبرامجها، وما يتطلب ذلك من إزالة ما يعيق حركة الأنشطة البحثية...). 
ويؤكد المؤلف لطيف عبد سالم بكتابه المُفيد والمُعالج لقضية حيوية حياتية (وتعد مياه الشرب في المجتمعات المعاصرة بوصفها أكثر مهمات البلدية أهمية في إطار خدمة المجتمع وتغطية حاجاته الضرورية..).
إنَ الستراتيجية للتخطيط الناجح تتوقف على توفر المياه، وإلا لا يمكن حصول أي تنمية؛ لذا يستلزم العلمية والدقة الفنية التي هي من المستلزمات والسبل والطرق للحفاظ على ثروتنا المائية سواء حفر الأبار الارتوازية أو البدايل حسب الإمكانيات المتاحة المخزونة بالسدود وآلية تطوير الأداء بتوفير المياه الصالحة للشرب وتقديم الخدمات للمجتمع؛ إذا ما علمنا أنَّ نقاء الماء يعني القضاء على الأوبئة والأمراض.. بالطبع المحافظة على مياه الانهار بعدم رمي النفايات والمخلفات ومياه المجاري الملوثة يوفر بيئة صالحة. 
وهذا الكتاب بفصوله الثرة ناقش: نظرة عامة عن انتاج ماء الشرب بين عهدين - واقع إمداد ماء الشرب بالعراق في العهد الملكي- واقع إمداد ماء الشرب في ضوء اوضاع العراق العامة بالعهد الجمهوري بأزمنتنا المعاصرة التي تعاني شح 
المياه.