ضحى عبدالرؤوف المل
نعيش في واقع لا يمكن إهمال أبسط الأشياء التي تحدث فيه، ولا منع انفسنا من التفكير بما يجري ولا الغموض الذي ما زال يسيطر على الكثير من الاحداث، التي لا يمكن أن يصدقها العقل الذي يرفض الواقع المتخيل في رواية حياتية حقيقية، تتمثل احداثها الرئيسة بالفيروس المسبب للكثير من المشكلات، التي فجرت أزمات استفزت العقل الأدبي، وتركته في حالة بحث عن الخيال الحقيقي الذي يسمح بتكوين رؤية حقيقية لما جرى، وما زال يجري سلوكيا ونفسيا في السياسة والادب، وفي الطب والعلم من فيروس كورونا الى ازماتنا الثقافية غير المألوفة من قبل، حيث شهدنا الكثير من الاعمال الواقعية بالسابق مثل بلزاك وستندال وغيرهم، من الذين تناولوا فترات مهمة من واقع الحياة التي عاشوا فيها. والكثير ايضا من الاعمال التي تنتمي للواقع المر من الحروب الى الامراض ومشكلاتها المستعصية، وصولا الى التاريخ وحقائقه. فهل استخدام الاماكن والشخصيات الحقيقية يعكس الواقع أ؟ م أن الحدث بحد ذاته هو الواقع الحقيقي الذي تحول من حاضر الى ماضٍ ينطلق منه الكاتب لاستكشاف الواقع، وكما يراه القارئ من منظاره الخاص المتأثر بالبناء الواقعي في العمل الروائي المستفز للعقل بشكل عام؟.
لا يمكن تحرير الأدب من الخيال و ولا من حقيقة التعبير عن واقع يستدعيه الكاتب ويعيد انتاجه، مختزلاً بذلك ما اخبرنا به الماضي عن حياة اختارها، واختبرها بالمحاكاة الحتمية التي تشكل نوعاً من المستحيل، من دون انفصال عن الواقع، وعن اللعبة الدراماتيكية اللامتناهية بين الحقيقة والخيال التي يستدركها، ويمنحها رؤية لا تنفصل عن واقعه الذي يراه. او ذلك الذي يتعمق به ويغرق بتحليلاته الايديولوجية والسياسية والنفسية والاجتماعية، وتلك التي تتسبب في تدفق الأفكار المعاكسة والمنطقية في توجهها. لتكون كالمرآة الزمنية التي نرى من خلالها فترة معينة، وبحقائق متسلسلة. لكن هل الواقع الذي يستدعيه الكاتب ويعيد انتاجه هو الهدف الحقيقي للادب؟ أم أن الهدف هو تبرير الحدث الذي جرى في الماضي لاعادة تشكيله والتعبير عنه، كما لو انه جرى في الزمن الحاضر، حيث القارئ يلجأ للتحليل والاستدراك وتكوين صورة واقعية اخرى؟ فهل من خيال حقيقي في اعادة انتاج التاريخ وتمثيل الواقع؟.
يتجاوز الكاتب الخيال ويمنح نفسه واقعا متخيلا مبنيا على الحقائق والأشياء، التي جمعها والتقطها، ووضعها تحت مجهره المعرفي. للكشف عن تفاصيل صغيرة ما كنا لنراها بهذا الحجم ونحن نقرأها كخبر او كمعلومة تاريخية ترقى الى الخيال، الذي يبني عوالم نصية تفترض وجود شخصيات تم اسحضارها. لتحديد الملامح عبر بناء الحوارات، بتطوير ديناميكي تحاوري يجمع بين انعكاسات الواقع والتصوير الاجتماعي التخيلي، القائم على الحقيقة الواقعية لفترة ما تمت دراستها بشكل علمي نوعا ما. ليشترك الأدب مع العلم من حيث قيمة الحقائق والقدرة على بناء المواضيع من خلالها. فهل المصادر الحقيقية في بناء العمل الادبي هي نوع من الاخلاص؟.
يبدو أننا أمام نقطة تحول في الواقع الأدبي الذي لم يتجاوز الأزمات المستفزة للعقل الروائي تحديداً، وهو في حالة من الجمود الفكري او الانتاجي إن صح القول، وبالتالي ما زال في حالة من الترقب لفوضى يسيطر عليها الكثير من علامات الاستفهام، التي تتمثل بالاضطرابات الثقافية الناتجة عن خيبات الأمل التي سيطرت على المزايا الثقافية فنيا وادبيا، والتي كان من الواجب أن تثور وتقدم رؤيتها وتقلب الحياة الثقافية رأسا على عقب. فهل سنشهد على فورة في كتابة السيرة الذاتية، أم ان ما يستفز العقل الأدبي هو قوة العلاقة بين الخيال والحقيقة وربطهما بسوريالية ما يحدث حاليا، وبالتالي التقوقع والتوقف والانتظار او فشل الازمات في استفزاز العقل الادبي، لينتج الواقع الذي فرضه الماضي في حاضر لم يتم تحليله كما يجب.