حسين الصدر
- 1 -
المعروف عن الشاعر البصري (محمد بن محمد) المكنى بابن لنكك، انه كان كثير الشكوى من الزمان واهله ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فانه لم يكن مُطيلاً على الاطلاق ، وتراه يكتفي بالبيتين والثلاثة وبالرباعية أحياناً للتعبير عما يجيش في نفسه من انفعالات لا تنتهي حتى تبدأ من جديد بصورة أخرى ..!!
- 2 -
والسؤال الأن :
لماذا طغت عليه النزعة المُغرقة في التبرم من الزمان واهله ، حتى كأنّه معهما في عداء مستحكم ؟
أغلب الظن ان مرّد ذلك ، كان الشعور بانّ مجايليه قد بخسوه حقه ، ولم ينل منهم ما كان يأمله ويرجوه ، فنقم عليهم ، بل نقم على الزمان ...
اقرأ قوله :
جار الزمان علينا في تصرُّفِهِ
وايُّ دَهْرٍ على الأحرارِ لم يَجُرِ
عندي مِنَ الدهرِ مالو أنَّ أيسَرَهُ
يُلقى على الفَلَكِ الدَّواّرِ لم يَدُرِ
لتجد صدق ما رجحناه في سبب ما كان يسكنه من أوجاع ..
- 3 -
ان النقمة على الزمان لا محل لها من الاعراب، فما الزمان الا الوعاء الذي يستوعب الأحداث كما هي ، دون ان يكون له يد فيها :
فهل للزمان مثلاً يدٌ في ما أصابك من أمراض موجعة ؟!
وما دَخْلُ الزمان بالرزق الشحيح الذي لا زَمَكَ ولم يفارقك طيلة الأعوام الماضية ؟!
وهل الزمان هو الذي حرّض المجتمع على التعاطي السلبي معك ؟
انها مجرد أخيلة باهتة ، وتصورات ليس لها حقيقة .
- 4 -
وفي هذا السياق نقرأ رباعيته الشائعة على الألسن والتي قال فيها :
يعيب الناس كلهم الزمانا
وما لزماننا عيب سوانا
نعيبُ زماننا والعيبُ فينا
ولو نطق الزمان اذن هجانا
ذئاب كلَّنا في زيّ ناسٍ
فسبحان الذي فيه برانا
يعاف الذئب يأكل لحم ذئب
ويأكل بعضُنا بعضاً عيانا
والمهم هنا :
1 – التركيز على أنَّ العيوب محصورة بالناس لا بزمانهم ، فهم أصل هذه العيوب دون غيرهم، ولكنهم يريدون الفرار من الحقيقةَ بالقاء العيوب على غيرهم ...
2 – ولو كان للزمان لسانٌ ناطق لما توانى لحظة عن تبيان ما تنطوي عليه النفوس من مثالب ومعائب .
3 – وقد صبّ جام غضبه ، في نقدٍ شديد على المجتمع كلّه حِينما قال :
( ذئابٌ كلنا في زيّ ناسٍ)
ولم يترك أحداً بعيداً عن هجومه اللاذع ... وكأنه يُنكر أنَّالمجتمع لا يخلو أبداً من أشخاص يتميزون بالخلق العالي وبالمروءة والانصاف ، وان كانوا قليلين ..!!
وغاب عنه :
انّ لكل قاعدة استثناءً ..!!
4 – والمحزن انْ يكون المجتمع الانساني مُتَخَلِفَاً عما جُبلت عليه الذئاب إذْ انها لا يأكل بعضها بعضاً، بينما لا يتورع " بنو آدم" - وهم أشرف المخلوقات – عن أكل بعضهم بعضا ..!!
وهنا تكمن المفارقة الكبرى .
- 5 -
انّ معظم المواطنين – في العراق الجديد – يُكثرون الشكوى والتبرم والسخط من المسؤولين ، ويلقون عليهم تبعات ما يرونه من مفارقات في أداء الخدمات ، وتبديد الثروات،وَلَكَنهم ينسون أنّ حكومتهم لم تاتِ
بانقلاب عسكري، فهم الذين انتخبوا ممثليهم في مجلس النواب ،
والنوّاب هم الذين صوتوا بمنح الثقة لاؤلئك المسؤولين ...
- 6 -
انّ التهرب من المسؤولية لا ينقذ الشعب والوطن مما هما فيه من مشكلات وازمات .
فالمطلوب هو الايثار للصالح العام، وجعل المصلحة العليا للبلاد فوق كل المصالح الشخصية والفئوية والمذهبية والمناطقية والقومية، وبهذا يتم الانتقال من خندق الى خندق، من خندق النرجسية الى خندق الوطنية .