مسرحية «فلانة} .. الزمن يعيد نفسه أم الشخوص تعيد أدوار بعضها

ثقافة 2019/02/19
...

حبيب حيدر
 
حينما يعيد التاريخ نفسه، حين تتماهى الحكاية، وحين تغيم الشخوص وتغيب التفاصيل ولا يكون لها من أسماء ولا مسميات سوى إعادة أدوار من سبقها والذوبان في متسلطها حينها نكون أمام مسرحية الأنثى "فلانة" بمأساتها لشخوصها وملهاتها بالنسبة لنا.  
 
1
     في مسرحية "فلانة" تأليف هوشنك وزيري والتي أخرجها حاتم عودة وشاركت بها الفرقة الوطنية للتمثيل في مهرجان أوال الدولي 12 في ليلته الثالثة نحن أمام عرض تتماها فيها حكايتان بشكل متداخل وملتبس حكاية الأب الذي مثله الفنان العراقي باسل شبيب، والأم التي مثلتها الفنانة بشرى اسماعيل مع حكاية البنت التي مثلتها آلاء نجم وزوجها الذي مثله عمر ضياء الدين، ولعل هذا التماهي والتداخل هو ما فعله المخرج والممثلون الأربعة حين غيبوا التفاصيل وغام المشهد وغابوا فيه، وكأننا أمام حكاية واحدة لا تتغير، في حركة دائرية للزمن وذلك حين تعيد البنت حكاية أمها وأبيها تماما، وحين تروي الأم والأب مسبقا حكاية ابنتهما، فلا يكون للبنت سوى إعادة الحكاية، وكأننا أمام مستقبل محسوم في أجواء يسودها الوجوم في بيت لا تتطور الأحداث فيه ولا تتصاعد إلا لتعود من جديد كما كانت بنفس الرتابة في إيقاع متوازن بشكل لا يكسره أي حدث خارجي أو داخلي فنحن أمام "عنن" اجتماعي، أمام مجتمع عنين لا تتوالد منه ولا عنه الأحداث كما لا تتوالد منه ولا عنه الشخوص أيضا، يأتي هذا العرض على مستوى الدلالة في صيغة نقدية منطلقا من المستوى الاجتماعي إلى المستوى السياسي، فإنه لا يوصف الوضع الاجتماعي بالعنن إلا ليوصم وضعا سياسيا بالعنن العميق الذي هو في أصله عنن اجتماعي.
 
2
ولعل هذا ما لخصته "جملة ما يشتغل" التي كانت تتراوح في الدلالة بين توصيف زوج البنت على مستوى الوظيفة في الحياة العملية حين تقدّم لخطبتها، وبين توصيفه بيولوجيا " ما يشتغل" في وظيفته كرجل في إشارة إلى العنن البيولوجي وهذه هي الجملة المفصلية التي تمحور عليها العرض وأعادت نفسها حتى على مستوى الإخراج، ولعل هذا ما تأكد من خلال العرض المسرحي في جمل كثيرة سواء على مستوى النص كغصن ذابل أم على مستوى الحركة الرتيبة التي تجعل الشخوص في المسرحية لا تراوح مكانها، فثمة ثلاثة أمكنة تتداول الشخوص الثلاثة عليها لتروي الحكاية وتستكمل الحدث، وذلك من خلال الحركة والسرد مع قليل من الحوار وهكذا حين يغيب الحوار في هذا البيت لا يتم صناعة الحدث وإنما استعادة الأحداث السابقة وروايتها عبر الحكي فلا تقوم الشخوص سوى برواية الحدث من موقعها في ثلاث منصات أساسية، حيث وضع المخرج ميكرفونا لكل شخصية لتروي الحدث وتعلق عليه بطريقتها، فلا تعود تدري من يروي قصة من، فكل ذات تروي حكايتها بهذه الجمل البسيطة والسريعة ومعها تروي حكايتنا كمجمتع يعيش المأساة ويمارس الملهاة بشكل
 يومي. 
 
3
في مسرحية "فلانة " نحن نشاهد قصة زوج وزوجته أو أب وأم وابنتهما من غير أسماء ولا مسميات ولا هويات محددة سوى هذه العلاقة القرابية وكذلك مع البنت وزوجها نحن مع شخصين بلا أسماء ولا نعرف عن الشخصية الأولى سوى أنها ابنة ذينك الزوجين ولا اسم لها سوى فلانة وكذلك هي أمها ليس لها من اسم في ذلك البيت سوى فلانة فالأب لا ينادي الإناث في هذا البيت سواء ابنته أم زوجته سوى بفلانة، وكذلك البنت لا توصّف نفسها سوى أنني الثالثة على اليمين تماما وكأنها توصف صورة ثابتة لا تتغير، في صيغة تأكيدية على هذه الرتابة التي لا تولّد شيئا والثبات الذي يجعلنا لا نراوح مكاننا ولا أدوارنا التي رسمت لنا مسبقا.
 
4
وثمة دور محوري لعله صانع هذه المأساة بالنسبة إلى هذه الشخوص والملهاة بالنسبة لنا "الغصن الذابل" الذي تدور حوله الشخوص وتتحرك إذا تحرك وتتكلم إذا تكلم ولا أحد له رأي بعد رأيه ولا كلام بعد كلامه سوى الاستجابة والطاعة التامة في تجسيد للسلطة الأبوية التي تتماهى مع الكرسي ودوره في التشبث بمكانته من حيث التسلط على هذه الشخوص النسائية اللاتي تركزن في دور البنت والأم فلانة من غير تفريق بينهما، والتي لا يبدوا لها هذا الرجل سوى في صورة واحدة فهذه الفتاة المعطوبة لا ترى في زوجها سوى صورة أبيها فهو يعيد حكاية التسلط معها كما كان أبوها تماما، ومن هنا تتأكد عمليه الثبات وعدم التغير والتبدل، وأننا مجتمع يعيد نفسه ويعيد نفس الحكاية ولا نبارح أماكننا أبدا حتى لو دار بندول الزمن، وهذا ما شهدناه في الشهد الأخير من المسرحية حين اصطف الممثلون الثلاثة مرنحين أكتافهم ذات اليمن وذات الشمال في حركة أشبه ببندول الساعة بينما عاد الأب إلى مكانه كما بدأت المسرحية.