نساء يرفعن الذخائر غير المنفجرة في العراق

بانوراما 2021/06/30
...

 أزهر الربيعي 
 ترجمة: مي اسماعيل
تقول هدى خالد؛ وهي واحدة من 14 امرأة يعملن على تخليص محافظة البصرة من المخلفات الحربية غير المنفجرة: {عملنا خطرٌ بحجم الخطورة على حياتنا، فهو خطير مئة بالمئة}.
 هدى (33 سنة) من مدينة البصرة، وقد تلقت مع 13 امرأة اخرى تدريبات لإزالة الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في المنطقة، وتمضي قائلة: {مررنا نحن العراقيين بظروف أكثر صعوبة، وشهدنا لسنوات انفجارات تحدث أمام أعيننا؛ في الأسواق والشوارع، لذا فإن عملنا خطر يهدد حياتنا}.
وفقاً لدائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام (UNMAS)  يعتبر العراق واحدا من أكثر دول العالم تلوثا بالذخائر؛ إذ خلفت عقود من الصراعات ثلاثة مليارات متر مربع تقريبا من الأراضي الملوثة بالألغام والمتفجرات الأخرى؛ وتعادل نحو ثلاث مرات ونصف مساحة مدينة نيويورك الأميركية، تمثل تلك الألغام والقنابل غير المنفجرة خطرا هائلا على حياة المدنيين في المنطقة؛ خاصة الأطفال. وأكثر من ثلث المناطق المتأثرة تقع قرب مدينة البصرة؛ وفقا لنبراس فاخر التميمي؛ من مديرية مكافحة الألغام؛ وهي هيئة حكومية عراقية تشرف على جهود إزالة الألغام من 
البلد. 
كانت للبصرة؛ التي تبعد أقل من مئة كيلومتر عن الخليج، والواقعة بين الكويت وايران، أهمية ستراتيجية بالغة خلال الحروب التي شهدها العراق خلال نصف القرن الماضي؛ وبالتالي غصت بالمتفجرات، وفقا للتميمي فقد زُرعت ملايين الألغام خلال الحرب العراقية - الايرانية (1980 - 1988)، في المناطق الحدودية بين البلدين، كذلك كانت المنطقة هدفا أثناء حرب الخليج عام 1991 بعد غزو الكويت وهجوم التحالف الذي قادته الولايات المتحدة، واستمر الحال مع الحرب التي بدأت عام 2003: {خلال هذين الصراعين الأخيرين ألقيت ملايين القنابل العنقودية على المدينة؛ خاصة الضواحي الغربية، وتلك القنابل ما زالت تقتل الأبرياء؛ إذ نسجل عشرات الحوادث 
سنويا}.
 
كسر المحظور
لتسريع عملية ازالة الألغام والمتفجرات من المنطقة، بدأت شركة {البيرق} الخاصة لإزالة الألغام بتدريب النساء لتلك المهمة، لا تميل الشركة حاليا الى التوظيف؛ لكن دورة التدريب المجانية التي توفرها خلال 21 يوما تقدم للمشاركين شهادة يمكن استخدامها عند التقدم للوظائف الدائمة في الحكومة أو المنظمات غير الحكومية الأخرى، تلك هي المرة الاولى لقيام مثل هذه المبادرات جنوب العراق؛ رغم أن (UNMAS) أنشأت بالفعل فريقا نسائيا بالكامل لإزالة الألغام في الموصل؛ وهي ثاني أكبر مدن العراق والتي كانت معقل داعش، يقول وليد سعدون مدير شركة البيرق، والمسؤول عن تنفيذ البرنامج: {واجهت الشركة والمتدربات تحديات عديدة؛ فعمل النساء محدود تقليديا في جنوب العراق؛ خاصة لهذا النوع من الأعمال، وقد نجحنا بكسر هذا العائق، وقد شجعتنا مثابرة المتدربات على الاستمرار بدعمهن والوقوف 
معهن}. 
قالت هدى خالد ان اسرتها لم تتفق مع قرارها بتلقي التدريب: {ارتبط جزء من رفضهم بالتقاليد؛ لكن جزءاً آخر كان خوفا مجردا، فالحديث عن الألغام والمتفجرات يخيف الجميع؛ وقد سمعتُ أفرادا من الاسرة يقولون أنهم يخافون أن أفقد جزءاً من جسمي أو أصبح مشوهة إذا انفجر شيء ما (بقربي)}. 
اعترفت هدى أنها كانت خائفة عند بدء التدريب؛ لكن خوفها تبدد حينما تعلمت المزيد عن العمل: {لا أؤمن بوجود عمل محدد فقط للرجال أو النساء؛ ويجب أن تكون هناك مساواة في جميع الحقول، وسبب رغبتي بالانضمام للبرنامج هو تنظيف مدينتي من الألغام والمتفجرات؛ التي كانت تدمر المدينة لأكثر من أربعين سنة}. 
يتوجب على المشارِكات أثناء التدريب ارتداء الدروع الواقية للجسم والخوذات وأقنعة الوجه، قالت هند حسين (32 سنة- خريجة قسم الفلسفة) ان اسرتها أيضا كانت تشعر بالقلق على سلامتها؛ لكنها نالت دعمهم الكامل: {تخبرني أسرتي وأصدقائي دائما أنهم فخورون بي؛ لكن بعض الرجال لا يعتقدون بإمكانية نجاح النساء في هذا المجال، لا أعرف إن كان هذا نابعا من التقاليد، أم خوفا من إمكانية إثبات نجاحنا هنا، أنا واثقة أن بعض الرجال يخشون من أداء هذا العمل بينما أثبتت النساء وجودهن وتحدين الصور النمطية، كل ما يهمني هو خدمة وطني؛ في أوقات يحتاج فيها البلد لدعم مواطنيه؛ نساءً ورجالاً}. 
 
حماية الأبرياء
كانت وزيرة البيئة السابقة نرمين عثمان قد قدرت سنة 2010 أن نحو 55 مليون قنبلة عنقودية جرى اسقاطها على العراق ما بين سنوات 1991 - 2003؛ لم تنفجر نحو أربعين بالمئة منها، هذه النسبة العالية من عدم الانفجار حين الاسقاط جعلت من القنابل العنقودية شيئا شديد الخطورة على المدنيين، ليس خلال أوقات الحروب فحسب؛ بل والعقود التي تلتها، وهو أحد الأسباب التي أدت لمنع استخدام القنابل العنقودية عام 2008 بموجب اتفاقية الذخائر العنقودية؛ وهي معاهدة تبنتها 123 دولة، لكن الولايات المتحدة لم تنضم الى تلك المعاهدة، كما لم تنضم الى 164 دولة كانت جزءا من معاهدة أوتاوا سنة 1997؛ التي حظرت استخدام وانتاج الألغام المضادة للأفراد. 
خلال حرب الكويت وضع الأميركان 120 ألف لغم أرضي في العراق والكويت، وبالرغم من عمليات نزع الألغام المستمرة، قدّر تقرير نشره موقع الاغاثة للعام الحالي أن نحو تسعة ملايين عراقي تقريبا ما زالوا عرضة للألغام والمتفجرات الأخرى، فما عدا الموصل؛ التي تضم قرابة ثمانية ملايين طن من المتفجرات يجب رفعها؛ أصبحت محافظة الأنبار موقعا خطرا يضم مخلفات الحرب ضد داعش. إذ بقي نحو 150 ألف متر مربع من أراضيها ملوثة بالمتفجرات؛ أغلبها حول مدينتي الرمادي 
والفلوجة.  
عند نهاية دورة التدريب المتبقية، تأمل هدى وهند بالعثور على فرص أخرى للعمل في هذا المجال؛ سواءً في الجانب الحكومي أو الخاص، فالبطالة مرتفعة حاليا؛ خاصة بالنسبة للنساء، يقول المتحدث عن وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي أن 11 بالمئة من الرجال و31 بالمئة من النساء يعانون البطالة؛ وبعبارة اخرى، تبدو النساء أكثر عرضة للبطالة وبثلاث مرات، تقول هدى: {لا تهمني مدى خطورة هذا العمل؛ وكل ما آمله أن يكون بإمكاني ايجاد وظيفة دائمة بعد انهائي التدريب، أتمنى أن أوظف كل ما تعلمته لإزالة أكبر عدد من الألغام قدر استطاعتي، لحماية 
الأبرياء}.  
 
موقع {فايس}