شريعتي بين الأب والابن!

منصة 2021/06/30
...

جواد علي كسار

لم تمرّ الذكرى الرابعة والأربعين على رحيل المفكر علي شريعتي، دون ضجّة جاءت هذه المرّة من محاضرة مهمّة لنجله الأكبر د. إحسان شريعتي، عن علاقة والده الملتبسة 
بالفلسفة.
يقع علي شريعتي وسطاً بين والده محمد تقي شريعتي (ت: 1987م) مفسّر القرآن وأحد أبرز رموز الإصلاحية الإسلامية في إيران، وبين ولده الأكبر إحسان دكتوراه السوربون في الفلسفة، الذي توفر على دراسة آثار الفكر الوجودي لمارتن هايدجر على المفكرين الإيرانيين، ولاسيّما في المجالين الديني 
والسياسي.
لكن هذه الوسطية ليست بالتساوي بين الثلاثة، وليست المسافة واحدة بين الأب والابن والولد، فما يزال فكر علي شريعتي متقدّماً، وأطاريحه تثير الحماسة وأسئلة خصبة في العديد من الساحات. وقد لا نبالغ إذا قلنا أنه المفكر الإيراني الأكثر شيوعاً خارج بلده منذ نصف قرن، تتكرّر طباعة كتبه والحوار عنها وعنه، في مصر والشام وشمال أفريقيا والخليج، وفي العراق ما بعد 
السقوط.
واحدة من أبرز القضايا الإشكالية الملتبسة في فكر شريعتي، موقفه النقدي الشديد ضدّ الفلسفة، كما نقرأ ذلك مبثوثاً في مختلف كتبه وخطاباته، ولاسيّما كتابه: «شخصية محمد»، وهجومه بالاسم على أساطين الفلسفة اليونانية كسقراط وأفلاطون، ورموز الفلسفية الإسلامية كالفارابي وابن سينا، وكانت وهيغل من رموز الفلسفة الغربية الحديثة.
يقدّم نجله إحسان تبريراً شبه نفسي لموقف والده هذا، يعزوه إلى منحدره في اليسارية الإسلامية الثائرة، وجهوده لرسم معالم الطريق الثالث بين الماركسية والرأسمالية، متمثلاً بخطّ العودة إلى الذات الثقافية المتميّزة (العودة إلى الذات: واحد من أبرز كتب شريعتي، وأهمّها على الإطلاق، قدّم الراحل إبراهيم الدسوقي شتا ترجمة ممتازة له نُشرت في القاهرة).
ثمّ يجادل إحسان بعد ذلك، أن والده علي شريعتي ما كان يمكن له أن يمارس دوره من دون فلسفة، خاصة في التنظير للرؤية التوحيدية لمشروع «العودة إلى الذات» وما كان يستلزمه من إثارة أسئلة عن الوجود والتأريخ والإنسان والمآل. 
وإذا كان الاتجاه الفلسفي هو ضرب من التفكير المنظومي الجذري العميق، فإن رموز الإصلاحية الإسلامية جميعاً من جمال الدين الأفغاني حتى علي شريعتي، هم فلاسفة برأي إحسان 
شريعتي. على أساس هذه الرؤية يسجّل إحسان، أن والده مارس النقد المزدوج للفلسفتين التقليدية بوجهيها اليوناني والإسلامي والفلسفة المعاصرة، لكي يضرب فيهما التجريد، لأن التجريد الفلسفي يُبعد عن العمل، وهو يؤمن من الفلسفة بمذاهبها الوجودية والواقعية.
قناعة علي شريعتي، أن منزع القرآن الفلسفي، هو واقعي غير تجريدي، وعملي لا يحلّق في فضاءات المثالية. لذلك يخلو القرآن برأيه، من المفاهيم الصلبة والجامدة مثل الماهية وأمثالها، ويستغرق بالفعل والصيرورات.
بتعبير أخير؛ الحقيقة الفلسفية في نزعة الفلسفة التقليدية، هي خبر، بينما هي في الإسلام عين وتجسيد ونظر، ما يؤدّي إلى نشأة منظومة جديدة، تأتي فيها العدالة مقصداً للدين بعد التوحيد.