اوزبكستان تحطّم عبودية القطن

بانوراما 2021/07/03
...

 نيكيتا ماكارينكو
 ترجمة: بهاء سلمان
كانت {فوطيمة عبدورخمونوفا} قد دخلت سن السادسة عشرة شهر في تشرين الأول 1984، عندما أرسلت هي وزميلاتها الطالبات إلى العمل في حقول القطن، بدلا من متابعة دروس الرياضيات والأدب. وتلقت كل فتاة أمرا بجمع خمسين كيلوغراما من القطن يوميا. لم تتمكن فوطيمة، في أفضل الأيام، إلا من جمع عشرين كيلو فقط، {بالتالي، كانت كل مساء على الأغلب من ضمن مجموعة فتيات يرسلن إلى المطبخ لتقشير أكوام البطاطا كعقوبة} تقول فوطيمة متذكرة.
وعلى مدى عقود، كانت تجربتها تمثل أحد المعايير المتّبعة في اوزبكستان. فمنذ خمسينيات القرن الماضي، حينما كانت جمهورية تابعة للاتحاد السوفييتي، فرض على الأطفال، من الصف الخامس ابتدائي صعودا، وكذلك البالغون، العمل في حقول القطن مقابل ثلاثة سنتات لكل كيلوغرام. وأسهمت صناعة القطن بنحو 65 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي للبلاد.
واستمرت حالة العمل الإلزامي بعد سقوط الشيوعية سنة 1991، وبحسب تقارير البنك الدولي، فقد أسهم نحو ثلاثة ملايين فرد في موسم 2014 لحصاد القطن. لكن هذه الحلقة بدأت بالتفكك أخيرا؛ فمع ضغوط مارستها مجاميع حقوق الإنسان، حظرت الولايات المتحدة سنة 2010 واردات القطن الأوزبكي من أية جهة حكومية. وأسفرت حركة عالمية متصاعدة، أطلق عليها {حملة القطن}، عن اتخاذ 312 شركة إجراءات لمقاطعة القطن الأوزبكي، من بينها شركات مبيعات عملاقة من أمثال أديداس وأمازون وكولومبيا ونايك.
غير أن ضغوط السوق لوحدها لم تساعد على تغيير الوضع خلال فترة حكم الزعيم القوي إسلام كريموف حتى وفاته سنة 2016. حاليا، ومع انفتاح البلاد في ظل قيادة خلفه {شوكت ميرضيايف}، بدأ سادس أكبر مصدر للقطن في العالم يتجاوب مع الضغوط العالمية.
 
سياسات جديدة
ويقول {جوناس استرب}، المستشار الفني الأقدم لدى منظمة العمل الدولية: {تم رفع الأجور الخاصة بجامعي القطن الاوزبكيين بشكل ملحوظ، فقد تضاعفت ثلاث مرات لما كان الوضع عليه في زمن كريموف.} وتم السماح للنشطاء المحليين ومنظمات المجتمع المدني بمراقبة أعمال الحصاد بشكل مستقل.
وأعلن الرئيس الأوزبكي العام الماضي انهاء العمل الإلزامي بحصة القطن الإجبارية، التي كان توجب على المزارعين إنتاجها لتجنّب خطر فقدان الأرض الزراعية المؤجرة وإعادتها للدولة. 
وترتبط ممارسات العمل الإلزامي في البلاد بجذور تأريخ عبودية القطن الأميركي، فمع إرتفاع متسارع لأسعار القطن العالمية بسبب الحرب الأهلية الأميركية، قررت الإمبراطورية الروسية إنتاج السلعة بنفسها. وبالتزامن مع استسلام زعيم قبيلة تشيروكي من قوات الجنوب (آخر قائد عسكري)، استسلمت طشقند للجنرال الروسي ميخائيل تشيرنيايف.
وخلال ثلاثينيات القرن الماضي، حوّل الحزب الشيوعي أوزبكستان إلى دولة أحادية الإنتاج، تزرع القطن؛ وساعد مهندسون زراعيون من الأفارقة الأميركان اوزبكستان السوفييتية على تحسين إنتاج القطن. وبحلول السبعينيات، أثارت الحاجة التجارية الضخمة للمياه أزمة، فقد جف بحر آرال تقريبا، وهي رابع أكبر بحيرة في العالم. وأدت الحاجة غير المحدودة للعمال إلى فرض العمل الإلزامي خلال الخمسينيات من قبل الحزب الشيوعي على طلاب المدارس الإعدادية والجامعات وموظفي الدولة وأفراد الجيش وغيرهم لجمع القطن. وكانت ظروف العمل صعبة، وعاش العمال داخل ثكنات عسكرية، باكتظاظ شديد وسط البرد، أدى إلى مرض الكثيرين بنزلات برد والتهابات رئوية.
 
ذكريات مريرة
المصور الأوزبكي المعروف {اليور نيمات}، الذي كان يدرس بإحدى جامعات بخارى مع بداية الألفية الجديدة، يتذكّر كيف ظلت ممارسة العمل الإلزامي خلال حكم كريموف مستمرة من أيلول ولغاية تشرين الثاني سنويا؛ وكان الطرد من الجامعة هو الرد على كل من يرفض العمل: {كنا نقيم في إسطبل للحيوانات، نعمل يوميا من السابعة صباحا، بلا فرصة للاستحمام، ولا ماء، وأيدينا دائما مخدوشة لحد الجرح}.
وشأنهم شأن القاطفين، كان المزارعون محاصرين أيضا، فهم مستأجرون للأرض من الحكومة، ولا حرية لديهم في اختيار محاصيلهم. أما الآن فقد تغير الوضع، حيث وجد استبيان لمنظمة العمل الدولية صدر مع موسم 2019 أن 94 بالمئة من العمال كانوا يعملون بمحض إرادتهم، بحسب استرب. 
ومع أن الولايات المتحدة رفعت العام الماضي قطن أوزبكستان من قائمتها السوداء، يبقى حظر {حملة القطن} ساريا. فخلال الشهر الماضي، طالب وزير العمل الأوزبكي، {نظيم خوسانوف}، الحملة برفع الحظر لمساعدة اقتصاد البلاد الذي يواجه ظروفا صعبة بسبب جائحة كورونا، لترد الحملة {بضرورة توفير ضمانات إضافية لحماية العمال أولا}.
كما اتخذت الحكومة أيضا إجراءات أخرى لتحرير المزارعين من القيود، إذ بدأت الدولة بالتخلي عن حصتها هذا العام وعن تحديد سعر القطن. وفسحت المجال أمام المزارعين باختيار إنتاج محاصيل أخرى، لكنها لم تناقش مسألة خصخصة الأراضي الزراعية. وحتى مع هذه الإصلاحات، لن يكون تغيير تفكير الناس أمرا هيّنا. يقول مراد يوسفوف، المزارع المسن من إحدى مناطق شمال غرب البلاد: {كنت أزرع القطن طوال حياتي، ولا أعرف سوى زراعة هذا المحصول فقط}.
مع ذلك، تعد التحوّلات السريعة لتفكيك عبودية القطن في اوزبكستان مذهلة، بحسب المراقبين، حيث يقول أحدهم: {تمر عقود من الزمن لا يحصل فيها شيء، وأسابيع يحصل فيها ما يجري لعقود}.
 
مجلة اوزي الأميركية