مع تغوّل سياسة الامر الواقع .. لماذا يدفع الفلسطينيون ثمن العنصرية الإسرائيليَّة؟

بانوراما 2021/07/05
...

 محمد ايوب
 ترجمة: شيماء ميران
 
قد يرفع تغيير حكومة اسرائيل الامنيات مرة اخرى، ما يقود إلى بعض النشاط على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي، لكن يبدو أن هذه الامنيات في غير محلها وغير واقعية أيضا، إذ يُذكر أن رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي نفتالي بينيت هو الاكثر تشدداً تجاه القضية الفلسطينية من نتنياهو، الذي على الاقل حافظ على فكرة حل الدولتين عندما كان يتحدث مع المجتمع الغربي، فضلا عن أن بينيت معارض لفكرة الدولة الفلسطينية وقد أفصح عن ذلك مرارا، وله تصريح واضح عام 2012: «سأفعل كل ما بوسعي لضمان عدم حصول الفلسطينيين على دولة»، ومن المتوقع أن يكون التفاوض الجديّ لحكومة يرأسها بينيت حول حل الدولتين هو حلم بعيد المنال في افضل 
الاحوال.
وأشارت الاحداث الاخيرة بوضوح، وتزامن المواجهات بين قوات الامن الاسرائيلية والفلسطينيين في القدس مع حرب غزة الاخيرة، وانتفاضة الفلسطينيين داخل اسرائيل إلى ان الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني دخل مسارا جديدا لا رجعة فيه، يستبعد حل الدولتين، ومع ذلك، تكررت ردود افعال واشنطن ومعظم العواصم الغربية تجاه الاحداث وتحريك حل الدولتين، فعندما زار وزير الخارجية الاميركي بلينكن القدس عرض استمرار الدعم الاميركي لإسرائيل في الدفاع عن نفسها، وفي الوقت ذاته قدم المساعدات الانسانية إلى غزة بغية إعادة اعمارها بعد الدمار الذي سببه القصف الجوي الاسرائيلي في حال تخلصت من حكم حماس، ثم زار رام الله لدعم فكرة أن المحاور الفلسطيني الشرعي يتمثل بالسلطة الفلسطينية وقيادة محمود عباس.
 
تغير الأراضي الفلسطينيَّة
هذا الامر اشبه بإخفاء الرأس في الرمال، لكن المشهد بات واضحا لأي محلل جاد بأن حل الدولتين انتهى، وان الطريق الوحيد للخروج من الوضع الحالي المعقد هو حل الدولة الواحدة، وهذا ما اوضحته حرب غزة الاخيرة وما رافقها من احداث، إذ أزالت اي شك لدى  اكثر المراقبين تشككا، واصبح جليا ان الخط الاخضر اليوم هو جزء من الرواية الخيالية التي طالما اكدت أسطورة بقاء الدولتين، الخط الذي تم طمسه منذ فترة طويلة نتيجة البناء المستمر للمستوطنات اليهودية وعلى نطاق واسع في الضفة الغربية، وقيام اسرائيل بضم شرق القدس، وتقطيع الضفة الغربية ببناء المستوطنات اليهودية وشق الطرق الاسرائيلية فقط.
تتكشف خدعة حل الدولتين من خلال تأكيد الحكومات الاسرائيلية المتزايد طيلة سنوات عن أهدافها الاساسية بالاستيلاء على اجزاء واسعة من الضفة الغربية وبضمنها وادي الاردن، وهذا ما أيدته إدارة ترامب.
وبالرغم من هذه المؤشرات الواضحة حافظت اميركا والقوى الكبرى الاخرى على صورة حل الدولتين التي تعطي اسرائيل مزيدا من الوقت لتنفيذ تصميمها الكبير على نزع ملكية الفلسطينيين من أراضيهم وهويتهم 
ايضا.
مع إن حلم (عملية السلام) هذا يؤدي إلى حل الدولتين لكنه لم يأخذ بالحسبان التحول الملموس في واقع الارض الفلسطينية طيلة العقود الثلاثة الماضية، عقب فشل عملية أوسلو للسلام التي فقدت مصداقيتها رغم خطاب ياسر عرفات بتنفيذ سلام الشجعان، لقد استولت فكرة توحيد الهوية الفلسطينية، والمنطقة الممتدة من نهر الاردن وحتى البحر الابيض المتوسط على مخيلة الفلسطينيين بنحو متزايد، وتراجعت فكرة السلام العادل المبنية على حل الدولتين.
 
ردود فعل عنيفة
وأظهرت احداث الحرب الأخيرة أن الفلسطينيين يدركون المأزق الذي يواجههم في غزة والضفة الغربية وحتى داخل اسرائيل بالرغم من اختلاف التفاصيل، مع استمرار السياسة الاسرائيلية بنزع الملكية والتمييز النابعة من عدم المساواة الكبيرة في القوى بين اسرائيل والفلسطينيين، وقد مست محاولة إخلاء سكان قرية الشيخ جراح، وترا حساسا لدى الفلسطينيين، واعادت إلى ذاكرتهم، بغض النظر عن مكان سكناهم حيث طُرد اجدادهم من اراضيهم سنة 1948، والمحاولة المنسقة اللاحقة لطمس هويتهم كسكان للمنطقة، ويرى الكثيرون ان الاحتلال المستمر للضفة الغربية واضطهاد سكانها وحصار غزة وقصفها هو امر مستمر في السياسة الاسرائيلية وليست ظاهرة مختلفة.
وفوق كل ذلك، بدأ الفلسطينيون داخل اسرائيل يدركون ان سياسة التمييز ضدهم منصوص عليها اليوم في قانون الدولة العبرية لعام 2018، وانها جزء من نهج الحكومة الاسرائيلية تجاه جميع الفلسطينيين سواء داخل اسرائيل او في الاراضي المحتلة، لقد جاء رد الفعل العنيف من مدن السكن المختلط للفلسطينيين والاسرائيليين تجاه الانتهاك الاسرائيلي لبيت المقدس في رمضان الماضي ومحاولة إخلاء قرية الشيخ جراح من سكانها كدليل على ان هناك حاجة لرؤية المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل انفسهم بالمركب نفسه مع اولئك الذي يعيشون تحت وطأة الاحتلال والحصار.
ولخصت ديانا بوتو، المحللة السياسية الفلسطينية من حيفا، هذا الشعور باختصار حين اشارت إلى انه: «نحن الشعب الذي لم يُطهر عرقيا من هذا المكان عن طريق الخطأ».
 
حل الدولة الواحدة
من الواضح ان مبالغة السياسات الاسرائيلية بنزع الملكية أحيت ذكريات التاريخ المؤلم لنكبة عام 1948 والتي قسمت فلسطين بخطوط اتفاقية 1949 وحاولت طمسها، ولهذا أشار الصحفي بيتر بينارت بإدراك شديد إلى انه: «حين تطلب من شعب أن ينسى ماضيه فأنت لا تقترح السلام، بل تقترح الابادة».
وهناك مجموعة عوامل مختلفة من الذكريات التاريخية والتضخيم الاسرائيلي واللامبالاة الاميركية بالمأزق الفلسطيني ومجرد مطالباتهم جميعها تؤدي إلى دولة حيث ان الحل الوحيد الذي يمكن أن يقدم السلام والعدالة على المدى الطويل هو تأسيس دولة واحدة في عموم فلسطين المنتدبة، ويثار في الذهن سؤالان ينبغي أن تعالجهما جميع الاحزاب طالما المنطقة تسير لا محال إلى هذه النهاية، الاول هل يمكن تحقيق هذا الهدف من دون إراقة دماء او بعد الكثير من المذابح؟، والآخر هو الشكل النهائي للدولة الواحدة هل ستندمج كدولة يتمتع فيها جميع مواطنيها بحقوق سياسية ومدنية متساوية او ستكون دولة التمييز
العنصري؟.
يجب أن يشغل إيجاد الاجابة لهذين السؤالين تفكير رجال الدولة والمحللين في الشرق الاوسط والغرب المهتم بحل ازمة الصراع، بدلا من البحث غير المثمر عن وهم حل الدولتين، او تحسين الاجراءات التي قد تؤخر مؤقتا الحساب المحتوم.
 
* عن مجلة ناشينال إنترست الاميركية