قرار يثبت قوة القضاء .. المغزى من حكم حبس جاكوب زوما

بانوراما 2021/07/05
...

 ترجمة: خالد قاسم
ألقى رئيس جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا عام 1995 خطابا أمام مجموعة قضاة في افتتاح المحكمة الدستورية لبلاده، قائلا: «نتوقع منكم التصدي ليس للاعتداء المباشر على الدستور فحسب، ولكن للتآكل الخبيث».
لم يعمل أحد منذ ذلك الحين على هدم الأعمدة المؤسساتية لجنوب أفريقيا أكثر من جاكوب زوما، إذ وجهت إليه اتهامات بتلقي رشاوى من شركة أسلحة فرنسية عندما كان نائبا للرئيس، وتحدث عن أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم أكثر أهمية من الدستور، وبعدما صار رئيسا في العام 2009 ارتبط عهده بسرقة واسعة للمال العام وتخريب أجزاء من الدولة هدفها محاربة الفساد.
منذ تولي سيريل رامافوسا الرئاسة عام 2018، قوض زوما وحلفاؤه جهود الرئيس الحالي لمعالجة تخريبهم.
وعامل الرئيس السابق لجنة، يرأسها قاضٍ، بازدراء وكانت مهمتها النظر في «السيطرة على الدولة» أثناء فترة رئاسته، بعد رفضه مرارا وتكرارا أوامر استدعاء لحضور التحقيق، ورفض المثول أمامها حتى بعد صدور أمر من المحكمة الدستورية في كانون الثاني 
الماضي.
كان غيابه عن التحقيق سببا في تدميره، ففي ضوء تمرد زوما المستمر واتهاماته المتكررة ضد القضاء، فقد طالب قاضي التحقيق رايموند زوندو المحكمة الدستورية بالتدخل مجددا، وأصدرت بدورها حكما عميقا في حجته ومدمرا بتأثيره بحبس زوما 15 شهرا بسبب ازدرائه «الفاضح والخطير» للمحكمة و «هجماته البذيئة والخاطئة» ضد القضاة.
يجب على الرئيس السابق تسليم نفسه خلال خمسة أيام من صدور الحكم (أحكام المحكمة العليا في جنوب أفريقيا غير قابلة للاستئناف)، وفي حالة عدم حضوره يحق للشرطة احتجازه خلال ثلاثة أيام أخرى، وأكد قائد الشرطة أن قواته ستنفذ أوامر المحكمة.
 
نتائج مهمة
إحدى عواقب قرار المحكمة هي ذهاب زوما الى الجلسة المقبلة من السجن، ومع استئناف قضية السلاح الفرنسي يواجه الرئيس السابق احتمالا بحبسه لفترة أطول (ينفي زوما وشركة تاليس الفرنسية ارتكاب أية مخالفة 
قانونية).
ومن المحتمل أن تتبع محاكمات تخص قضايا فترة رئاسته هذه المحاكمة، ويواجه زوما البالغ من العمر 79 سنة إمكانية تمضية بقية حياته في السجن، وقد ينتهي به المطاف نقيضا لمانديلا المشهور بسبب حبسه قبل توليه الرئاسة وليس بعدها.
قرار المحكمة له تداعيات سياسية أيضا، فالرئيس الحالي لم يفِ بوعده الذي أطلقه عبر خطابه الأول للأمة أمام البرلمان بمنح جنوب أفريقيا «فجرا جديدا».
وكان تعامله مع الموجة الثالثة من وباء كورونا شاقا بشكل مميز، لكنه في الأشهر الأخيرة اتخذ اجراءات اقتصادية مهمة، وإن كانت متأخرة، مثل رفع الروتين أمام الشركات الراغبة بتوليد طاقة متجددة خاصة بها وايجاد مشترين لشركة الخطوط الجوية الرسمية.
وتسبب إيقاف الحزب الحاكم «آسي ماغاشول» لأمينه العام والمقرب من زوما بتعزيز سلطة الرئيس ضد جناح زوما قبيل الانتخابات المحلية ومؤتمر الحزب في وقت لاحق، ورغم أن الرئيس الحالي ليست له علاقة بقرار حبس زوما، لكن القرار سيؤكد تشديد قبضته على الحزب، ويسهل ذلك عليه تولي الحكم. 
يبدو أن النتيجة الأكثر أهمية لقرار المحكمة الدستورية ستكون لصالح جنوب أفريقيا ككل، فخلال حقبة التمييز العنصري كان القانون يطبق بوحشية أو انتقائية وفقا للون بشرة الشخص، وجلب الانتقال الى الديمقراطية معه دستورا ليبراليا وملهما، اضافة الى محاكم ومؤسسات قانونية جديدة للدفاع عنه، وحظيت هذه الهيكلية باحترام حقيقي في كل أنحاء القارة وأجزاء أخرى من العالم، لكن عهد زوما هدد بتمزيقها، ولم تكتف المحكمة الدستورية بإصدار حكم قانوني محوري، بل هو تذكير بدولة قوس قزح والمثل العليا التي أنشئت 
عليها.
 
* مجلة ايكونومست البريطانية