احمد الحسن
ذاكرة العراق تحفل بأحداث كبرى، وبمواقف من الصعب جدا التغافل عنها، إذ تتبدى فيها مظاهر الثورة والرفض والاحتجاج، وربما تحمل معها نزوعا نحو الكبرياء الذي يجسّد قوة الارادة والشخصية، ويرفض الخنوع، ويضع صورة البطل وكأنها تعبير اخلاقي وانساني عن المواجهة مع قوى الاستبداد والظلم.
ماحدث بعد انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963من جرائم بشعة يندى لها الجبين، والتي وجدت في تظاهرات الشارع العراقي رفضا واضحا لها، لاسيما من الناس البسطاء الذي كانوا يحلمون بالحرية والخبز والامان، لكن العنف المتوحش الذي مارسته طغمة الانقلاب كان أكثر بشاعة، حدّ المجاهرة بالقتل العلني لكل من يعارض او يخرج ضدهم، فكانت دموية الانقلاب تعبيرا عن دموية العقل الانقلابي الذي يقف وراءه، والذي سوّغ الجريمة، وعمد الى قتل الاف الابرياء، فضلا عن قتل الكثير من المعارضين السياسيين.
حركة العريف حسن سريع كانت الصورة الناصعة لفكرة الرفض، فالرجل لم يتوهم البطولة، ولا حتى الانقلاب المضاد، لكن حركته كانت تعبيرا عن « الروح الحية» عند العراقيين،، فقام هو واقرانه من « ضباط الصف» أي من الرتب الصغيرة، بحركة ثورية، يساكنهم حسٌ انساني، ووعي شعبي وثوري، جعل من حركتهم وكأنها صرخة احتجاج كبير ضد ما فعله الانقلابيون بحق الشعب العراقي، وبحق رموز وثوار 14 تموز عام 1958.
الحركة بدأت من معسكر الرشيد في الثالث من تموز عام 1963، وتم خلالها اعتقال عدد من ضباط الانقلاب، لكن ضعف الاسناد، وعدم خبرة «الثوار» جعلها عرضة للانكسار، ولضعف امكانياتها في مواجهة رتل الدبابات الذي قام بقصف المعسكر، وتهييج الضباط الاخرين ضدهم، وبالتالي تعرضوا للاعتقال والاعدام من دون وجود محكمة حقيقية تستمع لصوتهم الذي كان جزءا من ضمير الشعب العراقي.
مافعله الانقلابيون بعد فشل حركة حسن سريع كان اكثر بشاعة ودموية، إذ استمر مسلسل الاعدامات والقتل العشوائي، فضلا عن ما قاموا به بعد ذلك باقتراف جريمة «قطار الموت» لتصفية كل قوى المعارضة، لكل الرموز الثقافية والوطنية التي رفضت الانقلاب المشؤوم .
استعادة ذكرى حركة حسن سريع هي استعادة للحظة تاريخية عراقية، عبّر فيها الثوار عن ايمانهم بقضيتهم وبشعبهم، فكانت انتفاضتهم قرين بالثورة، وكانت تضحياتهم واستشهادهم علامة على قوة ارادة الانسان على المواجهة، ورفضه للانكسار امام قوى الطغيان والاستبداد.
امام قوى الطغيان والاستبداد.