في (النسويَّة) ومثالها الشعري العراقي الراهن

منصة 2021/07/06
...

  د. علي حداد
 
يتجاوز حديث (النسوية) الراهن اشتغالات مراحلها الأولى ذات الطبيعة الآيديولوجيَّة الهادفة إلى المناداة بحقوق المرأة في تأكيد ذاتها وخصوصيَّة وجودها والأدوار الفاعلة التي تؤديها مجتمعياً، وهي الأهداف التي أصبحت اليوم من بديهيات التوازن الاجتماعي وممارساته التي اعتادها، لتتوطد ـ ومنذ ثمانينيات القرن الماضي ـ مرحلة جديدة كانت ذات طابع (ثقافي) تناول جدلها الاشتغال على الخصوصيَّة القيميَّة والجماليَّة التي نالتها الكتابات النسويَّة، متبنية سعي المرأة لنيل الاعتراف بحصتها الخاصة في الكتابة ـ ولا سيما الأدبيَّة منها. ومن هنا صار الحديث يتعالى عن (الأدب النسوي) و(النقد النسوي) وسواهما من جهد ثقافي يتكرس مسعاه لتأكيد هوية أدبيَّة للمرأة خارج مهيمنات التملك الثقافي الذكوري وسطوته الطاغية، ويتجلى في تحديد المادة الأدبيَّة التي كتبتها المرأة، وكيف اتصفت بسمة الأنثويَّة، لتؤشر عالم المرأة الداخلي، يتماهى معه الاهتمام باكتشاف تاريخ أدبي للموروث الأدبي النسوي، من أجل أنْ يكون ذلك منطلقاً لإرساء صيغة التجربة الأنثويَّة المتميزة في التفكير والشعور والتقييم وإدراك الذات والعالم الخارجي. أما في جانب التشكيل الجمالي فيذهب المسعى جاداً لتشخيص الأسلوب الأنثوي في الكلام والكتابة، وأنواع العلاقات بين عناصر الخطاب التي تجسده.
وهكذا صار بإمكاننا أنْ نشير إلى نسقٍ أدبيٍ نسويٍ مضافٍ إلى نسق الكتابة الذكوريَّة له أعرافه وتقاليده وما يستوعبه من مفاهيم وقضايا تصف أوضاع النساء وتفسرها.
لم يكن لهذا التوجه أنْ يؤكد حضوره بعيداً عن بعض التحفظات التي تعاوره في التصور العربي لهذه المسألة، من مثل أنَّ الأعراف والقيم الأدبيَّة قد تشكلت وقرَّتْ عبر كينونة ذكوريَّة، بما لم يعد بالإمكان معه تخطيها. 
كما أنَّ الحديث عن أدبٍ نسوي يحاول أنْ يرمِّمَ وجوده الراهن في ظل محدوديَّة أرصدته السابقة، وإزاء التراكم الأدبي الذكوري المهيمن، سيجعله أدباً من الدرجة الثانية، ويبقيه في حالة متأخرة عنه.
وسنجد من الأديبات أنفسهن من تعارض القول بمصطلح (الأدب النسوي) من منطلق أنه يعزل المنجز النسوي عن الفضاء الأدبي الشامل الذي يكتب فيه الرجال والنساء على حدّ سواء. وعلى هذا فليس من داعٍ ـ طبقاً لقناعتها ـ للحديث عن هذه الموضوعة وادعاءات تمايزها.
وما نراه أنَّ مصطلح (الأدب النسوي) يشخّص وجود الكاتبة الأنثى ولا يعزلها، كونه يخبر عن حصتها بما لها من سمات نوعية تشير إليها في المنجز الأدبي العام، وبما يصنع لها وجوداً موازياً للمنجز الآخرالذكوري.
وعلى هذا فلا يراد للكتابة النسوية أنْ تستحيل نوعاً من القطيعة مع السائد الكتابي وتمرداً على ما أرسيت له من قيم وقواعد، ومدارج تناول للمضامين الاجتماعية والسياسية بل أنْ يكون مساراً إبداعياً موازياً لتحقيق الذات الأنثوية المغيّبة، كي تصنع حضورها الذي يتماهى مع سواه في الأخبار عن طبيعة المشهد الأدبي السائد ومتحققه.
لقد جاءت الطروحات المتعلقة بالجوانب الأدبيَّة من ثقافة المرأة ضمن موجة (ما بعد الحداثة) وأفكارها التي وصل مددها إلى ثقافتنا العربية الراهنة، فشغلها ـ 
إلى جانب مسعاها لاستيعاب التنظير الفكري والتطبيقي لهذه الموجة ـ أن تجد من المصطلحات ما يكافئ متداولها الغربي الوافد، لتواجهها اللغة العربية بتوافرها على أكثر من تسمية اصطلاحية، الأمر الذي خلق تخيّراً مجادلاً ـ 
لم يتوقف حتى اليوم ـ شغلت به الجوانب التنظيرية من ثقافتنا الراهنة، وهو الحال الذي لم تكن المفهومية (النسوية) بعيدة عنه، فقد شملها بجدله الذي تداول الدارسون فيه تعددية اصطلاحية مثل: (النسوية) و(النسائية) و(الأنثوية) و(أدب المرأة)، وكلها مسميات قد تبدو مترادفة الدلالة حين تكون المقاصد ذاهبة إلى هذا المجال من الإنتاج النسوي، غير أنَّ واقع التداول الاصطلاحي قد احتكم إلى تعددية في التخيّر ترددت في كتابات البعض وهم يتبنون هذا المصطلح أو ذاك منها، فحين ذهبت كثيرٌ من الدراسات إلى الأخذ بمصطلح (النسويَّة) ذهبت أخرى للقول بـ (الأنثويَّة) الذي لا نتبناه، ونرجح سابقه (النسويَّة) عليه، كون المقصود هنا ليس الخصوصيَّة البايولوجيَّة المفرّقة بين الرجل والمرأة بل ذلك الوعي الثقافي والسلوكي الجمعي الذي يميز النساء، وقد أرسى فكراً (جنوسياً) يشير إلى مجتمعهن وخصوصياته.