سؤال لميكويان

منصة 2021/07/07
...

 محسن حسين
 
من ذكريات العمل في الصحافة الرسمية ما حدث يوم 16 نيسان 1960، في ذلك اليوم وجهت سؤالاً لنائب رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي أنستاس ميكويان بطلب رسمي من أعلى سلطة في العراق في آخر يوم من زيارته للعراق.
وعند انتهاء الزيارة في ذلك اليوم عقد مؤتمراً صحفياً حضره عددٌ كبيرٌ من الصحفيين وكنت واحداً منهم بصفتي ممثلاً لوكالة الأنباء العراقية التي مضى على تأسيسها 6 أشهر.
قبل المؤتمر بساعات استدعيت الى وزارة الخارجية حيث استقبلني مسؤولان في دائرة العلاقات الخارجية قالا: إنَّ هناك طلباً من جهة عليا (فهمت في ما بعد أنه رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم) أنْ أوجه بصفتي ممثلاً للوكالة الرسمية سؤالاً محدداً لميكويان (لماذا لا تعترف حكومة الاتحاد السوفياتي بالحكومة المؤقتة في الجزائر؟).
دهشت أول الأمر لبساطة السؤال، لكني بعد أنْ فكرت ملياً وجدت أنَّ الظروف الدوليَّة والوضع في العراق جعلا للسؤال مغزى وأهمية 
خاصة.
كانت الثورة الجزائريَّة على وشك تحقيق النصر النهائي وقد أعلنت تشكيل حكومة مؤقتة اعترفت بها الدول العربيَّة ومنها العراق والكثير من دول العالم، لكنَّ الاتحاد السوفياتي لم يعترف بها رغم أنه يعلن دائماً وقوفه إلى جانب الحركات التحرريَّة.
وفي المؤتمر الصحفي طلب من الصحفيين عدم توجيه أسئلة عن فلسطين والجزائر، لكني لم ألتزم بذلك وما أنْ وجهت السؤال حتى علت أصوات من هنا وهناك تستنكر توجيه السؤال وطلب البعض من الصحفيين سحب السؤال، لكنَّ ميكويان لم يلتفت لهؤلاء وظل يستمع إلى ترجمة السؤال، ثم فكر قليلاً قبل أنْ يردَّ على سؤالي بسؤال منه قائلاً: ألا ترى أيها الصحفي أنَّ المساعدات السياسيَّة والعسكريَّة أهم من الاعتراف الدبلوماسي؟
وراح ميكويان يشرح بإسهاب مواقف بلاده في دعم الثورة الجزائرية من دون أنْ يذكر أسباب عدم اعتراف الاتحاد السوفياتي بالحكومة الجزائرية.!
كان موقفاً لا ينسى حقاً، وعندما صافحت ميكويان بعد المؤتمر ضغط على يدي وكأنه يقول: هل كان ردي كافياً؟
وميكويان الذي ولد في أرمينيا 1895 وتوفي 1978 شخصية عبقرية اقتصادية جعلته في قمة هرم السلطة لسنوات عديدة واحتل لسنوات منصب نائب رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي، وأذكر أنَّ له هواية طريفة هي الطبخ، وكان يعد بنفسه هدايا للزعماء السوفيات في أعياد رأس السنة يصنعها من الشوكولاته، ومنها مثلا هدية الى ستالين هي عبارة عن حذاء أعده من الشوكولاته، وهدية الى مالنكوف منضدة، والى خروشوف قنينة، والى بيريا مسدس.
وذات مرة دخل بيريا الى مطبخ ميكويان بينما كان يعد (شيش كباب) فقال مازحاً: أيها الرفيق (الشيف) أنت أستاذ في الطبخ، فردَّ عليه رداً لاذعاً: نعم ياعزيزي بابلوفيتش بيريا في الحقيقة في مطبخي لن تجد قطعة من لحم 
البشر.