كاثا بوليت
ترجمة: ليندا أدور
هل العالم بحاجة الى المزيد من الناس؟ الجواب هو لا، إن سألنا الأنهار الجليدية والغابات المطيرة والهواء أو الأكثر من 37 ألف نوع من الكائنات التي على وشك الانقراض، نتيجة للتوسع المستمر للبشر في كل زاوية وركن من هذا الكوكب.
يوجد الآن نحو ثمانية مليارات نسمة، والعدد في تزايد، بعد أن كان أقل من نصف هذا العدد قبل 50 عاما. بالرغم من كل المؤشرات التي تدل على ان تباطؤ النمو السكاني سيكون أمرا جيدا بالتأكيد، إلا أن البلد الأكثر اكتظاظا بالسكان يهدف الى العكس.
ففي شهر آيار الماضي، خففت الحكومة الصينية من قيودها بشأن انجاب طفلين فقط، وسمحت للأزواج بإنجاب ثالث، بعد أن بدأ سكان البلاد يشيخون، ليرتفع متوسط عمر الفرد فيه من 25 في العام 1990 ليصبح 39 تقريبا في يومنا هذا.
سياسة الطفل الواحد
والسؤال هنا، من سيعتني بكبار السن؟ من سيتولى دفع رسوم الرعاية الاجتماعية لدعم شريحة المتقاعدين؟ لن تنفع في ذلك سياسة الطفل الواحد المعمول بها منذ العام 1980 وحتى العام 2016، التي شجعت على القتل والتخلي عن الفتيات الحديثات الولادة والإجهاض القسري للأجنة الأناث، ما أدى الى زيادة كبيرة في أعداد الرجال، الذين لن يجدوا الغالبية منهم نساء ليكوّنوا معهن أسرة.
تشير آخر الإحصاءات التي أجريت في العام 2018، الى أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاما، كان هناك نحو 120 شابا لكل 100 فتاة.
الصين ليست وحدها، في ذلك، فالإحصاءات التي ترد من الهند لا تختلف كثيرا، فتزايد الاختلال في التوازن بين الجنسين جراء الاجهاض الانتقائي حسب جنس الجنين، وغيرها من العوامل الموجودة في بلدان أخرى، بدءا من أرمينيا الى فيتنام. ومع ذلك، فإن التفضيل الكبير للأبناء (الصبية) الى جانب تفضيل الأسر الصغيرة، كان سببا واحدا فقط في انخفاض معدلات الولادات خلال العقود القليلة الماضية بعموم أنحاء العالم، باستثناء افريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
يسمح قانون تنظيم الأسرة الحديث للنساء بإنجاب عدد أقل من الأطفال، الأمر الذي تفضله الكثير من النساء في كل مكان، في الوقت الذي يعني الطب الحديث والصرف الصحي أن المزيد من الأشخاص سيعيشون حتى سن الشيخوخة، ومن الناحية النظرية، يعني انه يمكن للنساء، مع ذلك، أن يقررن إن كن سينجبن ثلاثة أو أربعة أطفال أو ربما
أكثر.
الأسرة النواة
لكن، في الحياة الحضرية الحديثة، كل شيء يعمل بالضد من تكوين الأسر الكبيرة، اذ ليس فقط الاقتصادات الحديثة والتعليم العالي والعيش الحضري، هو ما يمكّن النساء من استقلاليتهن ويمنحهن كل أنواع الأفكار، لكنها تتطلب طبقة أوسع من الأشخاص المتعلمين، فقد ولت تلك الأيام التي كان إنجاب الأطفال فيها ليكونوا مزارعي حقلك، لكن، أن تنشئ طفلا متعلما، هو أمر مكلف وأكثر استهلاكا للوقت.
تعتمد الاقتصادات الحديثة على الاستهلاك، الذي لا يعجب الجميع، لكنه، في النهاية، يعني تشجيع الأشخاص للتمتع بالحياة والتطلع الى الراحة المادية وتنمية الاهتمامات والبحث عن تجارب
جديدة.
فضلا عن ذلك، فان العديد من الاقتصادات الحديثة تقوم بعمل بسيط للغاية من أجل إنتاج أنواع مختلفة من البضائع الاجتماعية والمادية، التي من الممكن أن تجعل من عملية إنجاب طفل أو اثنين أمرا سهلا وممكنا، كتوفير السكن اللائق الميسر، ومراكز الرعاية النهارية والمدارس ولوائح مرنة للآباء ورعاية صحية جيدة وغيرها. ضمن الأسرة النواة، لا تزال مسؤولية العمل المنزلي والرعاية تقع بشكل مباشر على عاتق المرأة، وهو ما كشفت عنه الجائحة, وإن اقتضت الظروف أو احتدم الموقف، تكون هي من يقدم
التضحيات.
كنوز ديموغرافية
في الغرب، فان الحاجة الملموسة للنمو السكاني تتعارض ليس فقط مع حياة المرأة العصرية الحديثة فحسب، بل مع كراهية الأجانب والعنصرية، لذا ربما سيتعين على الدول فتح ذراعيها أمام بقية العالم سواء أحبت أم رفضت ذلك، ففي اليابان، التي لم ترحب بالأجانب على مر التأريخ، فإن متوسط العمر فيها هو 48 عاما.
ربما أن المشكلة تكون أصغر بوجود عدد قليل من الأطفال، من أن تكون أن عدد الأطفال بات أكبر من قدرة البالغين على تحمل رعايتهم، كمناطق الحروب ومخيمات اللاجئين والأحياء الفقيرة. يتم التخلص من ملايين الأطفال الفقراء مع أمهاتهم من قبل مجتمعات أمية، تعاني من جميع أنواع الأمراض والصدمات، محكوم عليها بأدنى أنواع العمل، إن وجد. فكيف سيكون الأمر لو كان ينظر اليهم على انهم كنوز ديموغرافية يتوجب رعايتها والاهتمام بها، وتنشئتها لتعيش حياة سعيدة
ومفيدة.
لا تزال أعداد سكان العالم في تزايد، لكن التراجع الديموغرافي لا يمكن عكسه، وهذا من بعض النواحي، أمر محزن، فالأطفال يجلبون الفرح والأمل والهدف في الحياة، والشباب يجلبون الأفكار والطاقة الجديدة، لكن من وجهة نظر الكوكب، فهو أمر
جيد.
*مجلة ذا نيشن الأميركية