خضير الزيدي
تواجهنا مشكلات كبيرة أحياناً ونحن نتعامل مع الفنون الإنسانيَّة ولعلَّ أولها أننا لا نمتلك دوافع حقيقيَّة لنفهم الفن الذي نراه. لم لا نقر بأننا بعيدون عن معرفة خطابه في نهاية المطاف، ولكن لنعترف أيضاً أنَّ الفن لا يعالج مريضاً وليس ضرورة لبقائنا انه أحياناً نوعٌ من الترف ينطبق عليه ما ينطبق على الشعر والموسيقى من اتضاح حسي وشعور قد يتبدد في الأيام اللاحقة فلنتساءل ما الفن؟، ما قيمته، لمَ يتمسك به فنانون حد الانكسار، ولماذا يخونه آخرون حد الجريمة؟
يواجه الفن في هذه المرحلة انتكاسة كبيرة لأسبابٍ تتعلق بالجائحة ولأنه سلعة تعاني الكساد ترتب عليه سمعة متردية جراء الانتحال والسرقة والتشابه الفظيع بين الآخرين وأخذت تنفرط حليته البراقة وتنكسر في أقرب مواجهة، فما قيمة مثل هكذا فن لا يمنحنا الثقة باستمراريته والتمتع به، ما الذي طرأ عليه فانحسرت معجزته، وأصبحت اللوحة تذروها الرياح لعجزها عن مخاطبتنا؟.
لا أتصور أن الجائحة لوحدها هي السبب الكفيل بكل ذلك، هناك سبب يتعلق (فينا) بأننا لم نتدرب على ذائقة الفنون الإنسانيَّة ولم نكتشف قابليته على تغيرنا، جل ما تقتضيه النفس يكمن في المشاهدة وسرعان ما تتبدد، لم نتعلم أنه مغامرة بصريَّة لها دوافعها الجمالية، هذه عوامل تكمن علتها فينا ولكن كم أسهم فنانون في قتل ذائقتنا عندما نكتشف الحقيقة لإدانتهم في أسباب تتعلق باستنساخ أعمالٍ أخرى؟ ألا تبدو هذه العمليَّة ساذجة تستدرج صاحبنا الفنان للإيقاع به وطرده من جنة الفن.. هذا إذا امتلكت فنون اليوم مساحة من مظاهر التخيل بأنها (جنة). هناك فنٌ يريد أنْ يبقى بفعل عوامل انتمائه للبيئة وهناك فنٌ يحاول جاهداً أنْ يصمد، لكنه ينهار في بداية أية مواجهة، فنٌ يقاوم الزوال وفنٌ آخر للسخرية ومدعاة للضحك والشفقة مع أنَّ الاثنين يحملان طابعاً شكلياً وحسياً ومزيداً من المضامين والإيحاءات وما يتقرر في الأخير يتلخص بأنَّ كل عملية غير مدروسة وخطوة غير متأنية ستؤدي بصاحبها الى الهلاك.
هل نضرب مثلاً.. أسماءٌ فنيَّة لها مخيلة قاصرة عن إيصال فنها تردتْ كثيراً بعد كشف حقيقتها وهي تمارس السطو، لكنها بيننا.. الفن يحتاج الى مخيلة تتخطى الإحساس بالتبعيَّة والتأثير، هذا يحدث في دول العالم عندما يحترم الفنان كيانه وينشد للحرية، المهارة في الرسم ليست سمة إيجابيَّة دائماً وكثرة الاشتغال لا تحسب منجزاً يعتدُّ به، نريد من الفن أنْ يرينا حقيقة قيمته المرئيَّة، هل يمكن أنْ يدلنا على ذلك؟ لا أتصور أنه يملك القدرة؛ لأنَّ المرحلة التي نعيشها مشوشة تتجه الى مهمة غير أخلاقيَّة في سياق فنانين لم يبتكروا لفنهم خطاً يجدد من الخطاب البصري أو على الأقل يتجانس مع أواصر فنيَّة أخرى، لا الفنان الجيد ولا الفنان السيئ يجدان حلولاً سحرية.
لنمضي معهم في اتجاه معرفة قيمة ما نراه اليوم من أعمال فنية لنعيد لذاكرتنا مقولة ميلان كونديرا (كاره الفن لا يحيا بسلام) أنا أكره الفن يا كونديرا لأنَّ أصداءه سيئة بعد أنْ استثمر فنانون مهاراتهم وأصبحوا غلاة في التعامل مع السطو، هذا فن لا بُدَّ أنْ يُكره، إنه يشبه راقصة شرقيَّة بدينة لا يمكن أنْ تتعرف على خطوط جسدها، الذين يعتقدون أنَّ الفن اليوم يتحرر من مشكلات أخلاقيَّة هم واهمون وبذات الوقت يخبئ لنا مفاجآت.. هذا التناقض يؤدي الى الملل والسأم ويضاعف من شكنا.
لنطرح التساؤل: ما قيمة الفن في حياتنا؟ لا قيمة لأي فن ينحسر ولا يؤدي وظيفته في معرفة الحقائق، إذا لم يقدنا الى المعنى لماذا نتمسك به؟ أليست هذه مضيعة للوقت؟، فكيف إذا انخلع ثوب الحقيقة وبانت مستويات اشتغاله وطرائق تراكيبه وتبينت لنا قدرة كل فنان، سنجد أنفسنا في النهاية عند حقيقة شاخصة وهي ما صنعته المجاملات الاجتماعية من وهم وكذبة يعيشها الغالب من الفنانين بأنهم جيدون. الحقيقة مختلفة والسؤال الأهم الذي نطرحه ما قيمة الفن في زمن رديء.