عادل العامل
إذا كانت كثرة المواليد في الأسرة في الماضي البعيد مصدراً للأيدي العاملة، التي يحتاج إليها رب الأسرة في الحقل أو الورشة أو السوق وبسبب بساطة الحياة وتكاليف المعيشة آنذاك، فإنها اليوم تشكل مصيبة على الأسرة لتعقيدات الحياة الكثيرة، والتطور التكنولوجي الذي أغنى عن كثرة الأيدي العاملة، وارتفاع تكاليف المعيشة ومتطلبات الحياة الأخرى.
فالأسرة التي تتألف من ثلاثة أو خمسة أفراد، في وقتنا هذا، غير الأسرة المؤلفة من سبعة أو عشرة أفراد، بطبيعة الحال، من ناحية مستويات المعيشة، والتربية، والتعليم، والتطور. وهي أفضل، في هذه الحال، لنفسها وللمجتمع الذي تعيش فيه. بينما نجد الأسرة الكثيرة الأفراد تعاني، في الغالب، من ضنك العيش، وقلة ذات اليد، وسوء التربية والتعليم، ومن مشكلات عدة ناتجة عن ذلك. وهي بالتالي، نقمة على مجتمعها الذي تُثقله مشكلات أُسَر من هذا النوع، وتُبقيه أسير التخلف، والفوضى، والارتباك الاقتصادي والإداري والمالي، كما هي حال المجتمع العراقي الآن بالضبط.
فالزيادة السكانية لا تقتصر في ضررها على ذلك فقط، بل إنها يمكن أن تؤدي، وهي تؤدي بالفعل، في بلد استُنزفت موارده الاقتصادية وساءت أحواله الإدارية كالعراق، إلى مصائب أخرى، مثل:
اشتداد قوة الجماعات الإرهابية المختلفة الاتجاهات والولاءات المذهبية والإقليمية.
اتساع ظاهرة تعاطي المخدرات والمتاجرة بها.
ازدياد نسبة البطالة والتخلف.
ازدياد نسبة الجريمة
إرهاق ميزانية الدولة المستنزفة أصلاً بسبب الفساد وسوء التخطيط وضعف استغلال الموارد الطبيعية والسياحية وغيرها.
هجرة الكثير من أصحاب الكفاءة والخبرة والنزاهة إلى بلدان أخرى. ومن هنا، تحتل معالجة هذه المشكلة ــ المَصيبة مكان الصدارة في لائحة الإجراءات الوطنية الهادفة إلى الخروج بالعراق من وضعه الراهن إلى ما ينبغي أن يكون عليه من دولةٍ قوية، واقتصادٍ مزدهر، ومجتمعٍ رفيع المستوى معيشياً، وأخلاقياً، وثقافياً، وفقاً لما ينطوي عليه من مواردَ طبيعية وسياحية، وإمكانياتٍ اقتصادية وبشرية، وامتدادٍ تاريخي
عتيد.
ومن الغريب أن الحكومة الحالية الجادّة في حلّ المشكلات، التي تعبق مسيرة التنمية والاستقرار والتقدم في العراق، لم تبادر حتى الآن إلى اعتماد سياسة سكانية رشيدة وحاسمة للتحكم بعجلة التكاثر السكاني المطلقة العنان، وفق أسس علمية ومحفزات مُجزية تحقق لها النجاح المنشود. وكلما أسرعت الجهات المسؤولة إلى البدء بهذه السياسة المهمة جداً، كان ذلك أفضل وأكثر نفعاً حتى في سعيها لحل مشكلات البلد الأخرى.