صدرت في السنوات الاخيرة الكثير من الروايات، يمضي منها ما يمضي الى ادراج النسيان، وتبقى قلة قليلة منها راسخة في الذاكرة، وشخصيا أعد رواية " النوم في حقل الكرز للقاص العراقي المغترب " أزهر جرجيس " الصادرة عن دار الرافدين 2019 اضافة مهمة في مسيرة السردية العراقية، كونها استطاعت أن تخرج من معطف الروايات المهاجرة ـ إذا صح الاصطلاح الذي أعني به الروايات التي تدور ثيمتها الرئيسة خارج الوطن والحديث عن الروايات المهاجرة في زمن حقبة معينة من حقب الدكتاتورية التي مر بها العراق اصبح مكرراً بعض الشيء، ووصل الامر بعض الاحيان الى وقوع أغلب الروايات في تشابه غريب ثيمةً وتفاصيلاً ، فالاحداث والمصاعب التي مر بها أغلب من فرضت عليه الهجرة من الوطن، والتي أغلبها تعتمد "السيرة ذاتية" لكتابها وهذا أمر منطقي لان جميع من هاجر في حقبة حكمت فيها الدكتاتورية الحدود ووضعت شروطها الصعبة في الحصول على وثيقة السفر ، مر بذات الظروف والمصاعب بدءا من ايجاد المنفذ الآمن للخروج من الوطن حيث مصاعب الحصول على وثيقة السفر، ووصولا الى المحطة الاولى الاردن التي كانت مكانا لتجمع أغلب من كان يحسب على انه معارض للنظام السابق ، ومن ثم تبدأ مرحلة الهجرة سواء عن طريق التهريب او الانتظار الطويل والمتعب عن طريق الامم المتحدة ومن ثم تبدأ هناك مرحلة الصعوبة في التكيف والحنين وتفاصيله ومن ثم بعض المغامرات التي تحسب لهذا الكاتب او
ذاك .
الحديث عن الثيمة في رواية ـ النوم في حقل الكرز فأعدها بقدر ماهي تشابه في اغلب الروايات التي كتبها كتاب المهجر ، لكنها في الوقت ذاته مختلفة عن الكثير مما كتب من حيث انغمارها في فنية الرواية الذي جنبها الوقوع في فخ " رواية السيرة " لانها تميزت في تناولها هذه الثيمة التي اصبحت مكررة كثيرا في بعض روايات عراقية كتبها كتاب عراقيون في
الخارج .
أما كيف؟ فلنبدأ في تمكن "أزهر جرجيس" من ادواته الفنية ، حيث استطاع أن يمزج الواقع مع الخيال، الواقع وسط كوابيس يبثها وسط المتن الروائي اشبه بالجرعات السحرية التي تديم النص وتغنيه ، فتحولت هذه الجرعات الى محطات فنية تناول فيها من الكثير حيث تداخل الحلم الكابوسي مع الواقع وانصهارهما الى حد يجد القارئ العادي صعوبة في تشخيص أيهما الحلم وأيهما الواقع! هذه القدرة على كتابة الحلم وتطويعه سرديا، يتطلب دربة وتمكنا في اللغة والمخيلة، وقد نجح "أزهر جرجيس"عبر لغة سردية عالية ممتلئة بالصور والاحداث التي تجعلنا نتابع مسيرة البطل في هجرته العكسية الى الوطن، نصغي الى صراخه في الكثير من المحطات والكوابيس المتمثلة بعلاقة الأبن بالأب عبر الإطار البرواز الذي يحمله معه في رحلته العكسية من النرويج الى بغداد ، بغية استخدامه كإطار صورة للأب الغائب الذي قضى في سجون النظام السابق ، والتقاط صورة لكومة العظام التي يستخرجها من مقبرة جماعية ، صورة كومة عظام موضوعة في برواز، هل يحتاج الأمر لشرح ما تعنيه هذه الصورة وعلاقتها بالخراب والموت، ومن ثم كانت النكتة التي اطلقها متناولا فيها الدكتاتور سببا في هجرته وتحمله للمرارات الكثيرة التي كادت تنهي حياته ، هي ذاتها التي كان يكرسها كثيرا في احلامه وكوابيسه ، والتي كانت السبب في وقوعه تحت الملاحقة واضطراره الحصول على جواز
السفر المزيف وعلاقته
بـ" عبير" العلاقة الافتراضية التي لم تتم! حيث تنتهي بذات الطريقة التي بدأت بها ،الاثير، الحلم ، الحب الذي يقتصر على قُبَلٍ افتراضية، تقوم على اشتراطات الكيبورد والكاميرات الموصولة بين قارة وقارة ، رواية " النوم في حقل الكرز " لكاتبها القاص والروائي " أزهر جرجيس" تعد اضافة نوعية مهمة الى مسيرة السردية العراقية.