لماذا.. هذه القطيعة؟

ثقافة 2019/02/20
...

شكر حاجم الصالحي
 
ما من مرة زرت معرضاً تشكيلياً في احدى قاعات العرض في مدينتي ، إلا ولفت انتباهي ان معظم رواده من الفنانين التشكيليين وافراد أسرهم ، ونادراً ما أجد شاعراً / مسرحياً / قاصاً / من بينهم ، وأشاهد عرضاً مسرحياً مبهجاً فأفتقد من بين النظّارة ، الأدباء على اختلاف عناوينهم ، وتحضر جلسة شعرية مرة ، ومرة جلسة للسرد ، فلا تجد سوى الأدباء من يستمع ويناقش ، وليس من بين الحضور ، المسرحي /
التشكيلي / الموسيقي / .. وتبحث في اسباب هذه القطيعة بين الجمهور المتخصص والفعالية الثقافية فلا تقنعك مبررات البعض بمشاغل الحياة وصعوبة المواصلات ، فليست مدينتي / الحلة تعاني من شدة الزحامات كما تعاني منها بغداد ، فوسائط النقل الخاصة والعامة متاحة ، ولا مشاغل للمتقاعد غير التسكع في مقاهي الثرثرة الفارغة وانتظار موعد استلام المرتب كل شهرين ، وتراقب حركة رواج الكتب التي تُعنى بالثقافة ، فتصاب بالخيبة من ركودها ، ومجلاتنا ( الأدبية ) المتخصصة هي الأخرى تعاني من ذات المصيبة ، رغم انها غنية بمحتوياتها ، أنيقة بمظهرها، وقد يفاجئ القارئ لو اخبرته عن مجلة عراقية رصينة تصل منها خمسين نسخة الى متعهد التوزيع في المحافظة ، لا تجد لها من مقتنيها ما يزيد على اصابع اليدين ، وتلك مصيبة لا بل كارثة اذا ما علمنا ان في بابل جامعة رسمية وجامعات وكليات أهلية بعدد الأصابع ، وطلابها اكثر من نفوس أية دولة خليجية ، ولكن ... لا قراء فيها ، والكتب والمجلات يعلوهما الغبار في مكتباتنا الفارهة ، وتعجب مرة أخرى لهذا الواقع البائس ، وتطرح السؤال على من يعنيهم الأمر عن سبب هذا العزوف عن الثقافة فتجيئك الردود مواربة خجولة ، فتأسف على ما وصل إليه حال الثقافة في مدينتك التي انجبت طه باقر ، علي جواد الطاهر، عبد الجبار عباس، علي الحسيني ، ناجح المعموري ، فاخر محمد ، عائد خصباك ، موفق محمد ، وعشرات من الرموز الكبيرة في الفن والأدب ، وتتمنى لو ان الجهات الثقافية / اتحاد ادباء / نقابة الفنانين / البيت الثقافي ، تداعوا لدراسة هذه الظاهرة المؤسفة والنكوص الفاضح، وتباحث من يعنيه الأمر في الاسباب وعجلوا بوضع التوصيات والمقترحات والحلول ، فليس من المنطقي ولا من المقبول ان يستمر الوضع هكذا وبالتالي سنشهد انحساراً مريعاً للانشطة الثقافية التي تديم زخم المعرفة وترتقي بالوعي بما يعيدنا الى الحياة اللائقة ، ولست هنا ممن يرى نصف الكأس الفارغة بل ارى النصف الممتلئ ، ولهذا ادعو كل ذي شأن ان ينهض بمسؤوليته ويبادر بالتشاور مع اقرانه لمعالجة هذا الواقع قبل فوات الأوان ، فليست وسائل التواصل الاجتماعي البديل عن الثقافة الحيّة وفعالياتها الطازجة ، ومن امنياتي الخالصة ان ارى الأدباء في انشطة الفنانين ، وارى الفنانين في انشطة الأدباء حضوراً فاعلاً يديم زخم الحياة بالتفاعل والمشاركة وتلاقح الافكار والتجارب .. أعملوا أيها الادباء وأهل الفن من أجل ان نعيد لبابل وجهها الثقافي الناصع وتأريخها المجيد ، فليس بالخبز وحده يحيا الانسان أيها المعنيون من كل العناوين والمشارب والاهتمامات ... اعملوا ... اعملوا ... 
واعملوا ...