صباح محسن كاظم
من يراه يمتلئ غبطة للابتسامة التي لا تفارق محياه، قلبٌ يتسع لمحبة الجميع، لما يملكه من الخلق الرفيع.. الشاعر إبراهيم الخياط، بالرغم من البشرى تطفح على وجهه، لكنه يحمل الأسى بفؤاده آلام ومحنة الوطن لعقود بين حروبٍ وعنفٍ، فقد على أثرهِ شريكة حياته بإطلاقات إرهابية، لا ريب أنها تترك الجرح الغائر بالروح، وصدمة لوحشية فعل الأوغاد.
دراسة نصوصه من الناحية السايكولوجية
أرى أنها تميزت بانثيالات وجدانية، إندمجت الذات بالهم الجمعي، عبّرعنها بصدق من خلال نصوص التفعيلة والنثر بديوانه (جمهورية البرتقال).. التي تفصح عن هاجسه الذاتي وهو يروم عبور حقول النيران من دون خسائر.
جاء نسق البناء الشعري لدى “الخياط” وهو يضمر التوتر، والطاقة الدينمايكية بالنص الضاج بالحركة، وعدم السكون بحساسية شعرية تبوح بأسئلة قلقة! فروح الشاعر تتوق للحرية، البديل عن الكبت والقيد والحرمان، التي تمكث بحيواتنا من حرب الثمانين لفجائعنا الدامية اليومية، لذا يتعامل مع مفرداته بحساسية مرهفة بهدوء كزورق ورقي، يطفو على ماء براقة ينساب مع المويجات التي ترتطم بالجرف بتؤده، مع أن النهر أحياناً تتلاطمه الأمواج العاتية، هكذا أجد نصوصه المُعبرة عن شفافية روحه وسط صخب وجودنا الممتلئ بالمنعطفات، والخسارات والتحولات. فالشاعر يعي دوره الوطني لتحجيم الوجع وتقليل الأضرار بالدعوة إلى إشاعة الجمال وسط عتمة الخراب. لذلك يفهم سايكولوجياً أنه يرغب أن يزيح الظلام الجاثم فوق الصدور، بتلك النصوص الضاجة بالبعد الإيجابي الإنساني، لردم هوة الخراب لكي لاتتسع.
فالمفردة الشعرية بديوانه تحمل الأمل رغم الألم والبشرى، رغم الحسرة وهو يسعى لإضاءة القنديل بترانيم روحه ومحيطه، لتجاوز تلك المحن، وآثارها نفسياً في الإنسان، لذا يرمق الفاقة بنظرة اشمئزاز لتزهر الحياة بالفرح والمسرة.
كاب كار
إنه
قاب قتلين أو أدنى
فحق عليه القول
بعد أن زهقت أحلامه
الرؤية الجمالية والتناص
ترتكن تلك النصوص للرؤية الإنسانية التي تتحسس الألم بالمجتمع، مع أن تكرار كلمات الماء – النهر – البرتقال – المرأة تلك الرمزية التي توحي بدلالاتها إلى جمال الوجود، والأمل، والطموح المشروع بحياة هانئة تسودها المحبة والسلام، لكن ثمة رؤى وأسئلة تحملها نصوصه تعكس فقدان الأمن والأمان والاطمئنان ببلاد لن تنفك كسر الأغلال للخلاص من سطوة العنف، والفساد المالي حيث يفصح عن احتجاجه، ورفضه، سحق كرامة الإنسان، بالطبع المخيلة تسترجع باللاوعي الأمكنة، الطفولة.
فسحر المكان بمدينة ديالى ببساتينها الزاهية والأنهار التي تغذيها بديمومة الاخضرار لتعطي الثمار الشهية تنعكس بثنايا تلك النصوص، ولا تنفك تغادر رؤية الشاعر قضية سجن يوسف التي تحمل دلالات الظلم، الوحشة، الخذلان، التواطؤ، الخسة وكل أفعال سيئة، التي لا تليق بالأخوة بمكرهم كما :
يا إمرأة الوجع الحلو
مرة
صاحبت القناطر،
ألفتها،
فماعادت الأنهار تجهلني
تقد قميصي –كل ليلة – من الجهات أربعها
ولا أقول: «ربّ السجن أحب إليّ}
لا أقول: ربّ السجن
أفيا نهيرات بلادي الظامئة
توظيف الشاعر إبراهيم الخياط – رحمه الله - مشاهداته اليومية بالتقاطات كاميرا سينمائية تؤرشف الأحداث، أراد منه عدم هروب الزمن، والارتقاء بواقع الحال كمسؤولية المثقف الإيجابي، فكان خطابه الشعري بتواصلية، مامن ملتقى ثقافي إلا وكان له الحضور بالنص الشاهد والمشاهد والراصد.
يذكر الدكتور فارس عبد الله بدر الرحاوي بكتابه «الحداثة في الخطاب النقدي عند أدونيس» دار الشؤون الثقافية العامة /ص423 عن سؤال الحداثة الشعري: (لما كان المنجز الابداعي (النص) يقدم نفسه على مستويين، اخباري مباشر، وآخر اشاري غير مباشر، فإن مستوى الثاني هو الذي يسعى اليه السؤال، اذ تزخر به لغته بوصفه خطابا حداثيا، يبحث عما وراء الاخبار المباشرة، ومن خلال ذلك النسيج العلائقي الذي تحوكه اللغة، فتشكل به نظام العلاقات الدلالية والايقاعية الجديدة...).
جمهورية البرتقال
بين الأسى
واستدارة النهر الذبيح
كانت خطاي تنبئ بالجفاف
وتقرأ سورة الماء
المدمى
أيا منذ
انتكس القلب مرة
وانتكس النهر مرات ..