في ذكراه الـ 24 حامد خضر.. راهب المسرح العراقي

منصة 2021/07/13
...

 د. بشار عليوي
حامد خضر، واحد من أبرز رجالات المسرح العراقي المعاصر ممن وهبوا حياتهم بشكل كامل وفاعل ومؤثر للمسرح فعلا وممارسة بوصفه ميدان المعرفة الإنسانية الحقة والنُبل. هو راهب المسرح العراقي بكل تبدياته وتمظهراته.. حالة فريدة واستثنائيَّة من النقاء والسمو والنبوغ والمعرفة والعلم والمحبة وحب المسرح حد التماهي.
أُستاذي الراحل الكبير (حامد خضر) لقد كُنتَ يا راهب المسرح العراقي مُربياً قبل أنْ تكون الأستاذ، والفنان قبل المُدرس، الشريف الذي أعطانا دروساً بليغة في النقاء، النُبل، السمو 
الروحي . 
43 عاماً هي عمرك الذي عشتهُ معنا، وأتأمل المدة بكُل تعجب، هل يُعقل أن أثركَ فيَّ وفي جميع مُحبيكَ هو مُخرجات ذات واحدة عاشت هذه السنوات الـ43 فقط؟ ما السر الذي امتلكتَ حيازتهُ أنتَ دون غيرك حتى نشعر بأنكَ حيّ معنا ما بقينا؟. بكُل بساطة لأنك حامد خضر وليس غيرك، حامد خضر الذي أراد لنفسهِ كُل هذا الحُب والذكر الطيب والترحم ورد الجميل لجميل صنيعهُ معنا وفينا، فضلاً عن تلكَ العَبر والدروس الجديدة والمُتجددة مع الأيام والتي تركتها لنا، وهذه واحدة من أسراركَ التي أردتَ لها الخلود كما هي روحكَ خالدةً فينا ومعنا وهُنا نعي تماماً سر {حامد خضر} الذي ارتقى أعلى مراتب الزُهد والمعرفة والإنسانيَّة والنُبل والعِفةَ والشرف الوظيفي والمهني والمسرحي في حياتهِ، والذكر الطيب والترحم وخلود الاسم والأثر في مماتهِ، وهذهِ أخلاق القديسين والزاهدين والعارفين والصالحين، لقد لخصَ راهب المسرح العراقي حامد خضر علاقتهِ المسرح حينما قال (المسرح وطن ينبغي علينا ألا نخونه)، وقال (ليس لدينا غير خشبة المسرح نقول عليها ما يخافه لساننا من البوح به في الشارع وعليها نمرح ونفرح ونفرح ونبكي، فكل ما نستطيع عمله نعمله على المسرح وقراءتهُ وانَّ المسرح هو قضيتنا ويجب أنْ يكون نظرتنا إليه على أنهُ قضية إنسانية).
ولد حامد خضر عباس شبع الكلابي في 
1/ 7/ 1955 في مدينة المشخاب، وعاش حياة بسيطة جداً كان الفقر مسيطراً على أغلب ثناياها، ثُمَ انتقل هوَ وأسرته وكانتْ لهُ من العُمرِ بضعَ سنوات للاستقرار والنشأة في مدينة الحِلّة مركز محافظة بابل بداية ستينيات القرن الماضي لتتخذ الأسرة من حي {الإسكان} وسط الحِلّة، مسكناً لها، والانتقال من “المشخاب” الى مدينة الحِلّة والاستقرار فيها، جاء بسبب نقل خدمات والده للعمل كمدير لقسم من أقسام مديريَّة الاتصالات والبريد في الحِلّة، أكمل دراستهِ الابتدائيَّة في (مدرسة الاسكان النموذجية في الحِلّة) والمتوسطة في (متوسطة الجمهورية للبنين) في حي الإسكان، وتخرج فيها عام 1972 ليلتحق بمعهد الفنون الجميلة ببغداد طالباً في قسم الفنون المسرحية وتخرج فيه عام 1977 ليكمل دراستهِ في قسم المسرح بأكاديمية الفنون الجميلة ببغداد ويتخرج فيها عام 1981.
ولأنَّ الإنسان حيثُ ينشأ، فإنَّ الحِلّة، هي المدينة التي شهدتْ نشأتهِ وتكوينهِ ودراستهِ في الابتدائية والمتوسطة قبل انتقالهِ لبغداد لتكملة مشوارهِ الدراسي في المعهد والكلية، وقد ربطتهُ علاقات وطيدة بالحِلّة وبفنانيها من جميع الأجيال وجمعتهُ بمسرحييها أعمال مسرحية عديدة أسهم فيها ممثلاً ومُخرجاً والتي قدِمتْ على خشبة مسرح {قاعة التربية} وسط الحِلّة، ومع بداية السبعينيات، تشكَلّتْ مجاميع مسرحية في الحِلّة وفقاً لطبيعة المُشتغلين فيها والروابط التي تربطهم انطلاقاً من الظرف التاريخي الذي أوجدَ هذهِ المجموعات التي قدمتْ عديد العروض المسرحية التي شَكَلّتْ مثابات مسرحية في تاريخ الحِلّة، ومن أبرزها (مجموعة طلبة المسرح في معهد الفنون) التي كانتْ تضم طلبة قسم المسرح الحِلّيين ممن كانوا يدرسون في معهد الفنون الجميلة ببغداد وهذهِ المجموعة وبسبب ظروف الدراسة بالمعهد خلال سنوات الدراسة كانت تقدم عروضها المسرحية في الحِلّة خلال فترة العطلة الصيفيَّة بسبب تشابه ظروف أفراد المجموعة وتقارب أعمارهم ووجود القواسم المُشتركة في ما بينهم، وقد كان راهب المسرح العراقي حامد خضر أبرز الفاعلين في هذهِ المجموعة التي قدمتْ عدداً من العروض المسرحية على قاعة التربية وسط الحِلّة، تمثيلاً وكتابةً وإخراجاً كما قَدمَ خلال مسيرة حياتهِ الفنية، عروضاً مسرحية مُخرجاً في بغداد، هذا إلى جانب إسهامه في العديد من المسرحيات العراقية كممثل لأدوارٍ محفورة في ذاكرة الجماهير مثل دورهِ في مونودراما (المجنون) تأليف وإخراج المُعلم المسرحي الراحل قاسم محمد والتي قُدمتْ على خشبة مسرح الرشيد.
بعد غزو النظام العراقي السابق للكويت في العام 1990، فُرِضّ على العراق حصار دولي اقتصادي شامل، وألقى الحصار الخارجي والداخلي بظلالهِ على جميع شرائح المُجتمع العراقي وبقسوة مُفرطة لذا وجد راهب المسرح (وهوَ الذي جربّ الحرمان في طفولتهِ وشبابهِ) نفسهُ مرةً ثانية وهوَ الأب المسؤول عن أسرته الصغيرة، مضطراً للعمل في أسواق (الشورجة) و(الكفاح) و(الجمهورية) ببغداد، مرةً عاملاً في مطبعة أهلية أو حمالاً في شوارع الشورجة، أو صاحب بسطية في الشارع، لقد أثرتْ هذهِ المرحلة العصيبة كثيراً في تكوين حامد خضر الشخصي والمعرفي، وأنتجتْ خطابهُ وخطهُ الفكري في المسرح والذي كانَ واضحاً عبر سلسلة العروض المسرحية التي قدمها، فضلاً عن حالة الزُهد والتصوف بشتى الأساليب والسلوكيات التي عُرِفَ بها، ما جعلتهُ زاهداً في الدنيا، مُتعففاً عن المُغريات والمزالق التي مالَ لها البعض، مُحافظاً على شرفهِ الوظيفي والمهني والتزامهِ الأخلاقي مع طلبتهِ في المعهد، جعلتهُ يُغرد خارج السرب حينها، ما جعل غالبية طلبتهِ يلتفون حوله ومُريدين لهُ، فأصبح بالنسبةِ لهم ولغيرهم ايقونة عفة وشرف وأخلاق والتزام بأقصى درجاتهِ، رُغم أنَّ المرحلة كانت عصيبة وشديدة بعدما اضطر الملايين من العراقيين لبيع ما تيسر أمامهم حتى شبابيك وأبواب دورهم مقابل الحصول على حُفنةً من الطحين والسكر والزيت والحصول على لُقمة العيش في ظل نظام استبدادي حاكم ومقاطعة اقتصادية دولية للبلد.
شهدت فترة عمله تدريسياً للمسرح في معهد الفنون الجميلة ببغداد تقديمهُ لأبرز عروضهِ المسرحية، وتخرجت على يديهِ أجيال مسرحية وفنية شكلتْ لاحقاً أسماءً لامعة في سماء الفن العراقي، فضلاً عن علاقتهِ الفريدة الاستثنائيَّة مع طلبتهِ والتي شَكَلتْ علامة بارزة في حياتهم وأثرتْ فيها وأعادتْ تشكيل توجهاتهم على جميع الصُعد، وأصبح تأثير حامد خضر فيهم واضحاً وبشكل ملموس حتى من قبل أسرهم، فضلاً عن طريقة تدريسه وتعامله اليومي والتي كانت بمثابة دروسٍ مجانية، وبسبب الظروف الاقتصادية خلال فترة الحصار، فقد اضطرتهُ هذه الحال وضغطاً لتكاليف المعيشة، أنْ يتخذ الغرفة المُطلة على الشارع الرئيس للمعهد المُقابل لحديقة الزوراء مسكناً لهُ طوال أيام الأسبوع فقد كان يعود الى أسرته التي تسكن {حي الإسكان} في الحِلّة عصر كل يوم خميس ليمكث عندهم الى صباح السبت عائداً الى بغداد، وخلال رحلة العودة الأسبوعية توفي في حادث سير بعد اصطدام بالباص الذي يستقلهُ راهب المسرح العراقي مساء يوم 3/ 8/ 1997.