هل يقتل التفسير جمال الأشياء؟

منصة 2021/07/13
...

د. عبد الخالق حسن
 
الإنسان بطبعه كائن مجبول على السؤال والاستفهام والفضول المعرفي.من دون كل هذا يتساوى الإنسان مع غيره من الكائنات التي تحيا من دون أن تفهم معنى وجودها.
ليس هذا فحسب، بل إنَّ جزءاً كبيراً من عقل الإنسان المسؤول عن التفكير يتجه نحو التفسير وفلسفة الأشياء.والميل نحو التفسير هو في أول معنى من معانيه محاولة للفهم، الذي يبعث على الراحة ويزيل المخاوف.وهذا الأمر ابتدأ مع الإنسان منذ وجوده على الأرض، حين رسم على الكهوف كل مخاوفه، حتى يتعايش معها وتصبح في متناول روحه وعقله 
وعينيه.
مع كل تحول كبير مرت به البشرية، ظلت عملية التفسير ومنح الأشياء معانيها جزءاً أساسيا وحيوياً من محاولات استيعاب الإنسان لما يستجد أمامه.وهنا علينا أن نتذكر أنَّ التفسير هنا يتحول ليصبح حاجة أساسية، ليس في منطقة العقل فقط،بل يتحرك في منطقة التعبير عن الحاجات المعيشية والاقتصادية والثقافية، بمعنى أن التفسير يصبح سبباً من أسباب الرفاهية التي يسعى إليها كل إنسان.
في مقابل هذا، يبدو أن تفسير الأشياء وعمليات فلسفتها تكون غير حيادية وتقتل جمال الأشياء الطبيعي، الذي يخضع هنا لسلوكيات المفسر وقدرته على التأثير.
في حقل الألوان مثلاً، فإنَّ الأصل الطبيعي لها هو الحياد وعدم الانحياز، لكن الإنسان عمد إلى توجيه دلالاتها وحصرها في خانات محددة، ففقدت الألوان بهذا شموليتها.لهذا نجد أنَّ الأسود يمثل دلالة الحزن عند مجموعة بشرية، في حين أنَّه يشير إلى الفرح لدى مجموعة غيرها. الأمر ينسحب طبعاً على باقي الألوان التي تختلف دلالاتها بين المجموعات البشرية،وهذا يؤكد فكرة حيادها الذي قتله التفسير،لأنها من دون هذا التفسير ستظل مثل الهواء الذي نستنشقه ونستمتع به ونشترك به مع غيرنا، من دون أنَّ نجعله منحازاً في الدلالة.
كذلك الأمر مثلا مع طائر البوم الذي هو فأل شر عند العرب مثلاً، في حين أنَّه يعبر عن الحكمة والمعرفة عند 
الأوروبيين.
لهذا فإنَّ التفسير بقدر ما يمثل حاجة ضرورية لدى الإنسان، قد يتحول إلى عنصر من العناصر التي تجعل الأشياء تفقد قدرتها على التأثير.لأنَّ في الغموض جمالاً يمنح الأشياء استمرارها.