بايدن والسياسة الأميركيَّة الجديدة

منصة 2021/07/15
...

 د. علاء حميد إدريس
يمثل وصول جو بايدن الى سدة الرئاسة الأميركيَّة تحولاً ملفتاً، فعلى الرغم من كبر سنه وعدم حضوره في التحدي السياسي الأميركي إلا ضمن إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما «2008 - 2016 «، كما أنه جاء بعد فترة عصيبة مرَّتْ بها الولايات المتحدة الأميركيَّة خلال تولي الرئيس السابق دونالد ترامب «2016 - 2020»، والذي وضع أميركا أمام تحديات غير مسبوقة بدءاً من تداعيات بروز روسيا كفاعلٍ سياسي مؤثر في السياسة الأميركيَّة، الى الصين التي أخذت تبرز كقوة صاعدة ومؤثرة في المشهد الدولي، فضلاً عن ذلك أزمة جائحة فايروس كورونا.
ولذلك يأتي الكتاب الصادر عن دار منشورات درابين/ بغداد، وفي طبعته الأولى العام 2021 ليضعنا في تصور معمق عن تصورات بايدن وإدارته لأميركا بعد ترامب، محتويات الكتاب هي من إعداد وترجمة محمد صكبان سعدون، إذ بدأ بوضع مقدمة عن حياة جو بايدن الرئيس الأميركي السادس والأربعين، مستعرضاً رحلته السياسيَّة مما مرَّ به من أزمات في حياته، حيث توفيت زوجته الأولى جيل بايدن في حادث سيارة مع ابنتهما نعومي عام 1972، ثم توفي ابنه بو بايدن في أيار 2015 بسرطان المخ، درس بايدن بكلية الحقوق في مدينة سيراكيوز بولاية نيويورك، منذ العام 1973 دخل بايدن عالم السياسة بعمله في مجلس الشيوخ الأميركي، وبرز نشاطه في لجنة العلاقات الخارجيَّة والقضائيَّة بالمجلس، وقبل وصوله الى مجلس الشيوخ انضمَّ الى مجلس مقاطعة نيوكاسل بعد أنْ أنهى دراسة القانون، طرح بايدن رؤيته السياسيَّة التي تقوم على أهمية عودة أميركا لقيادة العالم، ولذلك يعرض الكتاب هذه الرؤية والتي جاء تحت عنوان «لماذا يجب على أميركا أنْ تتزعم قيادة العالم مرة أخرى/ إنقاذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد ترامب؟» يشير بايدن فيها الى تضاؤل مصداقيَّة أميركا، ويحيل أسباب ضعف المصداقيَّة الى ما فعله ترامب مع حلفاء أميركا، ولم يكن يصغي الى الخبراء والمختصين في الشؤون السياسيَّة والستراتيجيَّة.
يحدد بايدن أهم التحديات التي ستواجه إدارته، وهي تغير المناخ والهجرة الجماعيَّة التي أخذت تزداد نتيجة للاضطراب والأزمات في بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا، ويرى أنَّ الحزبيَّة المفرطة والفساد أعاقا تنامي الديمقراطيَّة، وهذا ما جعله يتعهد بتجديد دعم الديمقراطيَّة وتحالفاتها، وهذا بالنسبة لبايدن نقطة الارتكاز لتوجه السياسي حين يصل الى البيت الأبيض، فهو يعدُّ الصراع بين الاستبداد والديمقراطيَّة ما يحدد معالم المستقبل القادم، ولكن لا يتم ذلك إلا ضمن شروط تمهد لدخول في هذا الصراع وهي:
• إصلاح وتجديد الديمقراطية الأميركيَّة من أجل تعزيز تحالفات الديمقراطيات التي تقف مع أميركا وديمقراطيتها.
• على أميركا أنْ تثبتَ للعالم كأمة، أنَّ الولايات المتحدة مستعدة للقيادة مرة أخرى- ليس بمثال قوتها فقط ولكن بقوة مثالها.
وهذا يستدعي كما يعتقد بايدن إعادة بناء القيم الأميركيَّة الأساسيَّة ومن ثم الخلاص من ميراث سياسات إدارة ترامب، منها تعامله مع اللجوء وسقف قبول اللاجئين في أميركا وجمع شمل الأسر المهاجرة مع ذويهم.
ربما أهم ما في محتويات الكتاب هو ما كتبه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجيَّة عن فوز بايدن وسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ يأمل المجلس الأوروبي أنْ تعيدَ الولايات المتحدة الأميركيَّة بناء العلاقة عبر الأطلسي والتركيز مرَّة أخرى على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والدفع باتجاه احترام القيم الديمقراطيَّة والمؤسساتيَّة، ولذلك كتب الكاتب «مايكل آيزنشتات» المدير السابق لبرنامج الدراسات العسكريَّة والأمنيَّة في معهد واشنطن، مقالاً نشره في الأصل كجزءٍ من سلسلة معهد الشرق الأوسط حول الأيام الـ200 الأولى لبايدن يذكر «لا يمكن حلّ أكثر مشكلات الشرق الاوسط إثارة للقلق- على الأقل في الوقت الحالي – من دون إدارة حقيقيَّة لهذه الأزمات... إنَّ السعي لتجميد النزاعات أو لعب دور المفسد قد يفتقر إلى جاذبيَّة صانعي السياسة الأميركيين المعتادين على لعب دور صانع السلام الإقليمي أو المهيمن، لكن نهج السياسة البديلة هذه، يمكن أنْ يُوقف الكوارث الإنسانيَّة ويحرم الخصوم من الانتصار، كما يفترض بالولايات المتحدة أنْ تصبحَ أكثر مهارة في الاستخدام المحدود للقوة في ظروف أقل بكثير من خيار الحرب؛ وسيظل ذلك للأسف، ضرورياً في منطقة الشرق الأوسط».
يبقى أنَّ توجهات الرئيس بايدن وأعضاء فريقه نحو الشرق الأوسط وأزماته سوف تعتمد على طبيعة الصراع الدائر في الإقليم ودوله، ولهذا يمكن لنا أنْ نتساءل أين يقع موقع العراق في خريطة هذا الصراع وكيف تنظر له الإدارة الأميركيَّة الجديدة، لا سيما يمثل جو بايدن للملف العراقي خصوصيَّة معينة كونه كان يرأس اللجنة التي تعاملت مع العراق بعد مجيء باراك أوباما للحكم، ربما نلحظ غياباً وعدم اهتمام من قبل صانع السياسة العراقيَّة من أجل فهم التصورات التي تضعها الإدارة الأميركيَّة الجديدة.
أعتقد أنَّ العراق والقائمين على إدارة الشأن العام مدعوون للاطلاع على هذا الكتاب من أجل الحصول على فهم أولي لتوجهات هذه الإدارة، كي يتمكنوا من مقاربة الأزمات التي تحصل في العراق برؤية مختلفة.