أحمد زكي البيه ولا البواب؟

منصة 2021/07/25
...

  عفاف مطر
المراقب والمتابع لأعمال النجم 
العالمي جوني ديب، سيلاحظ
 أن جوني ديب يقدم
 أدواراً تعتمد في الأساس 
على الكاركتر، قرصان، رجل 
غريب وصاحب مصنع شيكولا في أجواء فنتازيَّة، رجل من معدن.. الخ هل
 يعني هذا أن جوني ديب يستعين
 دوماً بالكاركتر ليختبئ وراءه؟ إذا 
لم يكن كذلك لماذا لم يشتهر له أي دور عادي، رجل عادي، كمحامي أو موظف حسابات، أو حتى رجل عصابة.. الخ..
جوني ديب وفق هذا المفهوم يحتاج عصا يتوكأ عليها ليسير في طريق الفن والإبداع.
أحمد زكي فتى الشاشة الأسمر قدم الكاركتر وقدم شخصية البواب والمثقف الوصولي والجندي البسيط والمواطن المسحوق ورئيس جمهورية والمطرب الأسطورة وغيرها الكثير، وأبدع أيّما إبداع، لدرجة أنك تصدق أنه بواب وتصدق أنه البيه وأنه الضابط وأنه الرياضي...لا يمكنك إلا أنْ تصدقه. لهذا أعتقد أنَّ عبقرية أحمد زكي تغلب وتتفوق على عبقرية جوني ديب.
أحمد زكي الذي أصبح أيقونة السينما العربية، وفتح لون بشرته الغامقة باباً واسعاً لمن بعده آخرهم محمد رمضان. لم يوافق عليه المنتج رمسيس نجيب ليشارك البطولة مع سعاد حسني في فيلم الكرنك تأليف نجيب محفوظ، بحجة أنه لا يمكن لسعاد حسني النجمة الجميلة السندريلا أنْ تُغرم بهذا الشاب الأسمر النحيل وشاركه الرأي كاتب سيناريو الفيلم ممدوح الليثي، فقال أحمد زكي لرمسيس نجيب: «سيأتي يومٌ تدفع به مبالغ ضخمة لي حتى أوافق على المشاركة في أفلامك» واستُبدِل بنور الشريف، فانهار أحمد زكي بسبب العنصريَّة التي مورست ضده حتى أنه كسر الزجاج على رأسه، لكنه لم يستسلم لهذه العنصريَّة وتحقق لاحقاً وعيده لرمسيس فصار يطلب منه مبالغ ضخمة حتى يوافق على الأدوار التي يعرضها رمسيس عليه.
حادثة أحمد مع رمسيس لم تكن المرة الأولى التي يُعامل بها بعنصرية، إذ تعرض لها مرة أخرى مع وزير الثقافة محمد حسن الزيات زوج ابنة الأديب طه حسين، إذ رفض أنْ يؤدي أحمد زكي دور حماه طه حسين في مسلسل الأيام بحجة أنه أسمر، ولا ننسى أنَّ بدايات أحمد زكي كانت في السبعينيات وفي تلك الحقبة كان لا يزال دور البواب والسفرجي في الأفلام والمسلسلات المصريَّة يُسند الى ممثل سوداني أو مصري أسواني، لهذا كان من الصعب على أحمد زكي الأسمر أنْ يقنع المنتجين والمتفرجين بأنه من الممكن أنْ يؤدي دور بطل الفيلم، لاحقاً سخر أحمد زكي مما تعرض له في بدايات حياته حين أدى بطولة فيلم (البيه البواب).
لكن لماذا لم يصل أحمد زكي بكل عبقريته الفذّة الى العالميَّة مثل عمر الشريف؟ سؤال راود الكثيرون، ولايزال الكثيرون يتذكرون السجال المتكرر بين عمر الشريف وأحمد زكي، وصرّح عمر الشريف في إحدى المرات أنَّ أحمد زكي لو أنه تعلم اللغة الانكليزية لكانت له مكانة لا تقل عن روبرت دينيرو، روبرت دينيرو الذي التقى بأحمد في مهرجان موسكو السينمائي بعد عرض أحد أفلام أحمد زكي، وعلى المسرح ربت روبرت دينيرو على كتف زكي وقال له: Excellent التفت زكي لأعضاء الوفد المصري سائلاً عن معنى Excellent فقالوا له يعني ممتاز، ففرح أحمد وقال لأعضاء الوفد من باب المزاح: «شايفين يا ولاد الكلب بيقولي Excellent “ وكأنَّ لحظات العنصرية التي واجهها في بداية مشواره الفني ما زالت تحرق فؤاده.
في أميركا وقبل شارلي شابلن كانت توضع لوحات على باب الحانات مكتوب عليها (ممنوع دخول الممثلين والكلاب) لكن بعد شابلن رفعت هذه اللوحات وكان يكفي وضع اسم شارلي شابلن على باب السينما لوحده بدون عنوان اسم الفيلم حتى، لتباع التذاكر كلها، هكذا الحال مع أحمد زكي الذي مهد الطريق للسمر من بعده، مثل ابنه هيثم أحمد زكي وآسر ياسين وعمرو سعد وغيرهم وصولاً لمحمد رمضان. نستطيع أن نتصور صعوبة مشوار أحمد زكي إذا أدركنا أن السينما المصرية وحتى لحظة بزوغ نجومية احمد زكي لم يتواجد على طول هذه المسيرة التاريخية الطويلة بطل أسمر واحد. أحمد زكي لم يكن بطل أفلام فقط، بل حفر بصمته في تاريخ الفن والسينما، فهناك الكثير من الذين أدوا أدوار البطولة ولكن أين هم الآن؟ بينما أحمد زكي وبعد موته بسنوات ما زلنا نتحدث عنه، والسبب أنَّ أحمد زكي كان يتوحد مع الدور كلياً، ووصل تأثيره الأكبر حين عمل مع المخرج عاطف الطيب والمؤلف العبقري وحيد حامد، ففي فيلم (البريء) الذي تدور قصته حول انقلاب شاب عسكري بسيط قادم من الريف على رؤسائه بعد مشاهدته لعمليات التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون، إذ إنّ بعد عرض الفيلم ثار عددٌ غير قليل من العساكر المصريين على رؤسائهم في المعتقلات والسجون. وبعد صعود نجم أحمد زكي تأتي الأقدار مرة أخرى ليجتمع مع السندريلا سعاد حسني وشاركها بطولة خمسة أعمال منها (موعد على العشاء) ومسلسل (هو وهي) وأخيراً (فيل).