لوكاشينكو يواجه ضغوط الاتحاد الأوروبي

بانوراما 2021/07/25
...

 روبن ديكسون
 ترجمة: خالد قاسم
فتحت سلطات بيلاروسيا حدود بلادها مع الاتحاد الأوروبي أمام الاتجار بالبشر وربما تهريب المخدرات، بحسب مسؤول ليتواني رفيع المستوى، بعد تعهد الرئيس ألكساندر لوكاشينكو بمعاقبة الاتحاد بسبب العقوبات التي فرضها على نظامه.
 
يؤكد هذا العمل الانتقامي مدى رغبة لوكاشينكو بنقل معاركه الى الغرب مع استمراره بقمع المعارضة داخليا، حيث تواجه شخصيات معارضة بارزة أحكاما بالسجن 15 عاما بعد محاكمات مغلقة بتهم الخيانة أو التحريض على الفوضى. ويبين هذا الفعل أيضا أن أهم داعمي الرئيس في موسكو غير مهتمين بكبح 
جماحه.
منذ تهديد لوكاشينكو بإغراق أوروبا بالمهاجرين، توقفت بيلاروسيا عن ضبط حدودها وتستغل تدفق طالبي اللجوء أداة ضغط، كما قال نائب وزير داخلية ليتوانيا أرنولداس أبرامافيسيوس، وأسست ليتوانيا مخيمات للمهاجرين، معظمهم من العراق، لكن هناك مخاوف من حدوث أزمة في الشتاء بسبب توقعات بوصول آلاف آخرين.
فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا وكندا عقوبات على بيلاروسيا نتيجة لإجبارها طائرة مدنية على 
الهبوط في آيار الماضي، واعتقال الصحافي المعارض رومان بروتاسيفيتش وصديقته صوفيا سابيغا. وفرضت عقوبات على النظام في وقت سابق بسبب قمع المعارضة والناشطين بعد انتخابات العام الماضي، التي أعدها 
الغرب ومجموعات حقوق الانسان مزورة. من جهته، حذر لوكاشينكو مؤخرا من أن بلاده لن تمنع بعد الآن طالبي اللجوء والمخدرات 
وحتى المواد النووية من دخول دول الاتحاد الأوروبي.
توسيع العقوبات
ضربت العقوبات الأوروبية التي فرضت أواخر حزيران الماضي وللمرة الأولى أهم قطاعات التصدير البيلاروسية: النفط والتبغ وبعض أنواع البوتاس، وهو مادة تستخدم في 
الأسمدة. وقيدت العقوبات حصول البلاد على التمويل والتأمين الأوروبي، ومنعت بيع نطاق واسع من التكنولوجيا التي قد تستخدم لأغراض استخبارية.
أبلغت شركة رولز رويس «اتحاد المهنيين البيلاروسيين» في بريطانيا أنها توقفت عن التعاون مع شركة «بيل أز» لتصنيع مركبات النقل الثقيل وفروعها بسبب العقوبات، وتتعرض شركة بريتيش أميركان توباكو لضغوطات بسبب نشاطاتها مع بيلاروسيا. 
أما أهم صادرات بيلاروسيا، وهو البوتاس من شركة مملوكة للدولة، فلم يدخل ضمن العقوبات الأخيرة، وخفف ذلك من الضربة الفورية للبلاد، لأن تلك الشركة تعد أكبر منتج للبوتاس في العالم، لكنه ترك الباب مفتوحا أمام إمكانية عقوبات أقسى بوقت لاحق من قبل الغرب.
يذكر أحد المحللين أن أكثر المجالات تضررا من العقوبات كان صادرات النفط البيلاروسية، وتعادل 8 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي. وسبق لأوروبا أن فرضت عقوبات على عشرات المسؤولين الكبار والشركات والأثرياء المقربين من لوكاشينكو، ومنعت شركة الخطوط الجوية الرسمية «بيلافيا» من الطيران في الأجواء الأوروبية، أما أميركا وكندا وبريطانيا فأعلنت عقوبات مشابهة. ومنعت أميركا بيع تذاكر الطيران من بيلاروسيا وإليها، وأوقف اتحاد الإذاعة الأوروبي عضوية شركة مملوكة للدولة البيلاروسية.
 
عبور مستمر
يضيف المسؤول الليتواني أن 74 طالب لجوء عبروا من بيلاروسيا العام الماضي، لكن العدد ارتفع هذا العام الى 636 ومعظمهم في حزيران الماضي. وذكر أن الآلاف من طالبي اللجوء قد يدخلون الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية العام الحالي، في مسعى واضح من لوكاشينكو لمحاكاة استخدام تركيا هذه الوسيلة للضغط على بروكسل، وسط نزوح واسع للمهاجرين من سوريا وغيرها سنة 2015.
توفر ليتوانيا الملاذ لسفيتلانا تيخانوفسكايا، المرأة التي يراها الغرب الفائز الشرعي بالانتخابات الرئاسية العام الماضي. ويصف المسؤول الليتواني استخدام طالبي اللجوء من قبل لوكاشينكو «السلاح الهجين»، ويقول إن المهاجرين يصلون من دون وثائق ثبوتية، ويمثل العراقيون نسبة 75 بالمئة منهم.
يبقى من غير الواضح اذا كان مسؤولون من بيلاروسيا يسهلون نقل طالبي اللجوء الى الحدود، أو إنهم فقط يشيرون علانية لمهربي البشر بفتح طريق سهل جديد الى الاتحاد الأوروبي، عبر رحلات جوية تصل أسبوعيا الى مينسك، بناء على «دعوة» بيلاروسية لأغراض السياحة وإصدار تأشيرات دخول سياحية من داخل المطار، ومن هناك تنقلهم حافلات وشاحنات الى الحدود التي تبعد 150 كم تقريبا، بناء على معلومات أعطاها مهاجرون الى مسؤولين ليتوانيين يدققون طلبات اللجوء. ويعبر معظمهم الحدود عبر الغابات في مجاميع تتكون من 10 إلى 12 شخصا.
«تستطيع أن تتخيل في دولة مركزية مثل بيلاروسيا، من المستحيل الهبوط في مطار مينسك وترتيب بعض الحافلات أو الشاحنات للنقل الى الحدود، بدون لفت أنظار وانتباه الشرطة وشرطة الحدود والأجهزة الأمنية. عمليات نقل هؤلاء المهاجرين منظمة بالتأكيد، ربما ليست الحكومة ومجرد مهربين».
 
نفوذ موسكو
من المتوقع أن لوكاشينكو، الذي يحكم بلاده منذ 1994، تعهد بعدم الخضوع للعقوبات الغربية، وبدأ بقطع العلاقات الأوروبية والعودة الى المدار الروسي، لأن موسكو تعد أهم مصدر لتمويل مينسك. 
عمليات القمع والاعتقال والتفتيش ضد المعارضين مستمرة، وهناك نحو 500 معتقل بعضهم بسبب تغريدة أو عرض اللونين الأحمر والأبيض للمعارضة. وقد أبلغت بيلاروسيا الإتحاد الأوروبي بضرورة مغادرة ممثل الاتحاد في مينسك وأعلنت سحب ممثلها من بروكسل، وأوقفت اتفاق تعاون مع أوروبا يدعى «الشراكة الشرقية». وكان الاتحاد قد تعهد بتقديم مبلغ دعم يقترب من أربعة مليارات دولار لمينسك مقابل اتخاذها مسارا ديمقراطيا غربيا.
لكن بيلاروسيا ردت مجددا وأغلقت منظمتين ألمانيتين ثقافية وتعليمية، وهما معهد غوته وجهاز التبادل الأكاديمي الألماني. ومن المرجح أن يستغل الكرملين الفرصة ويضغط على الرئيس البيلاروسي للإسراع بدمج بلاده في اتحاد مع روسيا، ما قد يقلص نشاطها الاقتصادي الخارجي.
في الوقت ذاته، تواجه بيلاروسيا هجرة أدمغة واسعة، خصوصا الخبراء الشباب بمجالات التكنولوجيا والطب والقانون والإعلام، وإتجاههم الى دول أوروبا وأميركا.