نافع الناجي
مع انطلاق الموسم الزراعي الصيفي الجديد في مناطق حوض الفرات الاوسط عامة، وفي السماوة خاصة، تعد مشكلة انخفاض مناسيب نهر الفرات، الذي يعد الشريان الرئيس لمحافظات عديدة، مبعث قلق لدى المزارعين والأهالي على حدٍ سواء، اذ تكون لأزمة المياه تداعياتها الخطيرة في عموم البلاد التي لا تقتصر على القطاع الزراعي لوحده وإنما تمتد لقطاعات ومجالات أخرى كثيرة بيئية واجتماعية واقتصادية، لاسيما لو ترافقت مع موسم جفاف وارتفاع مستمر في درجات الحرارة.
سدود تركيا
الانخفاض الكبير في مناسيب الفرات وتأثيراته في الموسم الزراعي الجديد، كان مصدر القلق الأكبر في أروقة مديرية زراعة المثنى، التي كانت أولى جولاتنا للتعرف عن كثب على معطيات هذا الموضوع، اذ أخبرنا المهندس عامر جبار عودة مدير الدائرة، أن {انقطاع المياه وشحتها وجدولتها من قبل الجارة الشمالية تركيا تلقي بظلالها على نجاح خطة الموسم الزراعي الحالي ولها تداعياتها الخطيرة في هذا المجال}.
وأضاف، ان {القطاع الزراعي في المحافظة يعتمد في الارواء على نوعين، احدهما الزراعة التي تسقى سيحاً من الانهار وهي الاكثر تضرراً من خفض مناسيب الفرات، اما النوع الثاني فهي الزراعة الصحراوية التي تعتمد على مياه الآبار الارتوازية}، ولفت عودة الى أن {نسبة كبيرة من سكان المثنى يعملون في القطاع الزراعي وان أي تقليص للمساحات المزروعة ضمن الخطة الصيفية، له تداعياته الكارثية رغم التطمينات الصادرة من الوزارة أثناء زيارة معالي وزير الموارد المائية للمحافظة مؤخراً}، مطالبا الجهات المعنية بإيجاد الحلول السريعة في هذا الصدد.
عطش البساتين
مسؤول آخر في الموارد المائية، أقرّ بوجود انخفاض واضح في ايرادات نهري الفرات ودجلة، مبيناً وجود خزين مائي يؤمن الخطتين الصيفية والشتوية المقبلتين، بيد ان تصريحات المسؤولين هذه لا ترتقي الى مستوى الحدث من وجهة نظر المزارعين، اذ يرون ان الواقع خلاف ذلك وبالتحديد في مدينة الرميثة شمالي مدينة السماوة التي يعتمد الكثير من مزارعيها على زراعة محصول الأرز {الشلب} الذي يحتاج الى كميات كبيرة من المياه.
وهذا الحال وصفه المزارع مجيد عبد الرضا الذي يمتلك ارضا زراعية على ضفة النهر، اذ اكد ان الموسم الصيفي الذي بدأ قبل بضعة اسابيع جاء متزامناً مع انخفاض مناسيب المياه وانقطاعات مستمرة في التيار الكهربائي، ما أربك المضخات الزراعية التي تسهم في سقي الاراضي، مسبباً قلقاً كبيراً للمزارعين لكون هذه المهنة هي مصدر رزقهم الوحيد، كما ان منتجاتهم تسهم بتأمين الأمن الغذائي، لاسيما في المحاصيل الستراتيجية كالقمح والارز والبقول.
وشاطره الرأي المزارع سلمان حمود، الذي ذكر ان بساتين شاسعة في السماوة والمجد والوركاء والخضر والرميثة، تشكو العطش بسبب انخفاض منسوب الفرات وصعوبة تأمين الحصص المائية، الأمر الذي يهدد بنسف الخطة الزراعية الصيفية وانخفاض منتوجها في موسم التسويق المقبل بعد أن شهد الموسم السابق انتاجا عاليا، لاسيما من الحنطة والتمور.
وتساءل حمود ان كانت البساتين والاراضي القريبة من النهر تعاني كل تلك الصعوبات في السقي والارواء، فما بالك بتلك الاراضي البعيدة جداً عن مجرى النهر؟.
غياب التقانات الحديثة
من جهته وجه المهندس علي حسين الريشاوي، انتقادات شديدة للخطط التي وصفها بـ(الكلاسيكية) التي تنظمها وزارتا الزراعة والموارد المائية منذ حوالي 18 عاماً ولغاية يومنا هذا، وعدّ البرامج التنموية مضيعة للوقت وهدرا للطاقة والثروات، موضحاً {اننا لم نشهد بناء اي سدود ذات قيمة او مشاريع ارواء واضحة المعالم يمكن أن تؤمن الخزين المائي الكافي في أوقات الازمات وما دمنا هكذا سنظل تحت رحمة تصرفات دول الجوار وخصوصا تركيا}.
وطالب الريشاوي بتجهيز منظومات ري حديثة وبتقنية عالية لترشيد استهلاك المياه، وهو الأمر الذي تعتمد عليه أغلب دول العالم للحد من شح المياه وتقنينها بالشكل الأمثل وتجهيز المزارعين بمضخات الري المحورية والتوسع بحفر الآبار بأنواعها في البادية وتنصيب منظومات طاقة شمسية للتخلص من مشكلة الوقود والكهرباء.
آثار بيئية واقتصادية
أما الدكتور محسن عبدالله التدريسي بكلية الزراعة، فقال: ان {الحروب المقبلة ستكون هي حروب المياه، او مبادلة النفط الخام بالماء}، موضحاً ان {شح المياه له آثار بيئية كبيرة، فضلا عن تأثيره الاقتصادي الهائل، وسيسهم بشكل مباشر في تراجع قطاعات مختلفة من الثروة الحيوانية والسمكية، اذ يسعى العراق لاستغلال مياه الأنهار لتربية الأسماك من خلال الأحواض العائمة المفتوحة او المغلقة أو البحيرات السطحية ورفد السوق المحلية بكل ما تحتاجه}، مستدركاً انه {برغم بساطة ومحدودية العمل بهذا القطاع، لكنه أسهم باستيعاب الأيدي العاملة وتشغيل أعداد كبيرة من ابناء الشعب، رغم ان المثنى لا تمتلك مسطحات مائية كبيرة باستثناء هور الصليبات وبحيرات وعيون صغيرة}.
وحمّل عبد الله، الجهات الحكومية المسؤولية الكاملة عن هذا الملف الذي يتكرر سنويا وطالب بضرورة العمل الجاد للنهوض بالواقع الزراعي والاروائي والعمل بالطرق البديلة بتقنين المياه، واستخدام الطرق الحديثة والمبتكرة كالري بالرش والتنقيط التي لا تستهلك كميات كبيرة من المياه، فضلاً عن إنشاء السدود لخزن المياه والاستفادة منها في توليد الطاقة الكهرومائية، وتبطين القنوات الناقلة لمياه الري منعاً لتغدقها وتسريبها، ناهيك عن التوجه الى ري الأراضي الزراعية الصحراوية عن طريق حفر الآبار واستغلال المياه الجوفية فيها.