باقر الكرباسي والبحث عن قارئ

منصة 2021/07/27
...

  هدى عبد الحر 
البحث عن قارئ هو عنوان الكتاب الجديد للأديب والأكاديمي العراقي الدكتور باقر الكرباسي الصادر هذا العام 2021 عن منشورات اتحاد أدباء وكتاب النجف بـ (248) صفحة من القطع الكبير بغلاف جميل وتصميم أنيق.
 
يقول الأستاذ مهدي هادي شعلان في تقديمه وهو يتساءل عن دلالة العنوان: (يبحث عن القارئ أين يجده في خضم الأمواج المتلاطمة التي أبعدت القارئ الجاد عن النهل من منابع الثقافة الحية) ثم يضيف واصفاً الدكتور الكرباسي والأجواء التي عاش فيها 
فيقول: 
(ولقد تمكن من سلك الدروب الصعبة ليسهل فهمه لهويتنا وشموخ وجودنا لغة آبائنا والأجداد (لغة الضاد) ليست غريبة عنه فهو نجل العلامة الكبير صاحب (إعراب القرآن) الذي قضى ستة عقود من عمره الشريف مصحّحا لما يكتب ويقال). 
 
والكتاب مجموعة بحوث مهمة ومتنوعة منها:
* النقود والمكاييل والأوزان في المعجمات العربية
* نقد القصة عند الأستاذ الدكتور علي جواد الطاهر
* الأب انستاس ماري الكرملي ودوره في خدمة اللغة العربية
* طه حسين و اللغة العربية 
* خطاب الهوية في الأدب النسوي العراقي
* تيسير النحو في العراق الدكتور مهدي المخزومي مثالاً وغيرها من الموضوعات ذات الطبيعة الأكاديميَّة التخصّصية ولكن لغة الدكتور وسلاسة أسلوبه ووضوحه جعلتها ميسرة لكل قارئ وأظن من هنا اختار لها هذا العنوان الدال 
والجميل.
ولكنْ ما نوع القارئ الذي يريده الكرباسي. أكيد إنه يبحث عن نوعٍ مميزٍ وفريدٍ من القرّاء الذين يجدون في القراءة حاجة معرفيَّة وإنسانيَّة ماسَّة ولا غنى عنها في وسط تزاحم مغريات الصورة المرئية التي تنافس الآن وبشدة عالم القراءة الجاد 
والرصين.
ولأعترف – وأنا قارئة جيدة كما أظن- أنني أجد أحياناً صعوبة في اختيار ما يمكن أنْ يُقرأ وتلعب العديد من الاشتراطات دوراً كبيراً في اختياري للكتاب منها.. عنوانه واسم مؤلفه وموضوعاته وطريقة إخراج وتصميم الغلاف.. ولأعترف أيضاً أنَّ وجود الألقاب العلميَّة قبل اسم الكاتب يجعلني أترّدد في اقتناء أي كتاب، فقد اعتدنا أنْ نجد الجمود والصرامة العلميَّة والحياديَّة في هذه المؤلفات ولا نجد متعة القراءة الحرّة التي تغري القارئ غير المتخصص، ولكنْ في كتابات الكرباسي نجد دائماً توازناً رائعاً فهو محترف مقال ويعرف كيف يبتعد عن الجفاف في الأسلوب، وقد يكون هذا الكتاب مثالاً على ما أقول، ففيه نجد متعة القراءة مع صرامة البحث الأكاديمي.
ومن الجدير بالذكر أنَّ هذا الكتاب حوى دراستين أراهما من أجمل وأهم ما ورد فيه وهما (صورة المدينة في رواية (مدن الملح) لعبد الرحمن منيف) و(القمع والحرية في رواية (طشّاري) لإنعام كجه جي) فباقر الكرباسي ابن التراث الأصيل عندما ينحاز للحداثة يكون كلامه أكثر إنصافاً، وكم أتمنى عليه أنْ تكون هذه البحوث مفاتيح لأطاريح ورسائل قابلة لطلبته يشرف عليها لما لها من 
أهمية.
إنّ القرّاء اليوم – وأنا منهم - نواجه صعوبة كبيرة في إيجاد فسحة للركون إلى الكتاب الورقي وسط زحام (السوشيال ميديا) وسرعة معلوماتها وتنوعها، لذا على الكتّاب أنْ يجدوا سبلاً جديدة تجذب المتلقي نحو نتاجهم، فلا غنى عن الكتاب أبداً ولا بُدَّ من الرجوع إليه.