الجوائز الثقافيَّة ورهانات الشهرة

منصة 2021/07/27
...

 عمار عبد الخالق
الجوائز الأدبيَّة صارت ظاهرة إعلاميَّة في فضائنا الثقافي، وأضحت مكافآتها المالية مغرية، ومثيرة للجدل، حد أن البعض وضعها في سياق صناعة الشهرة لأسماءٍ معينة، أو لتحويل ما هو ثقافي الى إعلامي وتجاري. لكن هوية هذه الجوائز هي فتح شهية النقد والمراجعة، فهل هي جزء من المسؤوليَّة الثقافيَّة؟ وهل أن الجهات الداعمة لها نوايا وأهداف معينة؟ وما مدى فاعلية تلك الجوائز على رهانات الشهرة، أو الدفع باتجاه تحفيز الحراك الثقافي؟
 
هذه الأسئلة تتسع مع نمو واتساع وانتشار الجوائز الثقافيَّة وشهرتها في الوسط الثقافي العربي، والتي ظهرت بالتوازي خطوط تعارض نهجها، والاعتراضات التي ترفض تحويل الجانب اللإبداعي الى حلبة منافسة! 
هذه الاعتراضات صدرت عن عددٍ ليس قليلاً من الأدباء والفنانين، خصوصاً العراقيين، بالرغم من قلّة هذه الجوائز في العراق والتي تمنحها مؤسسات معينة منها أكاديميَّة وأخرى تتمثل بالنقابات المهنيَّة وغيرها، والتي من صميم عملها البحث عن مبدع تحاول التعريف به، وتسويق اسمه الى الأوساط الأدبيَّة، مثلما تقوم به المؤسسات العربيَّة والعالميَّة من أجل دعم المواهب الشابة والإسهام بشكلٍ فعلي بصناعة ظاهرة الشاعر والكاتب والفنان، بعيداً عن الانحياز الأدبي والذي في أصله هو صورة من صور المجاملات.
لكنْ ثمة من يقول إنَّ الكثير يكتب ليس من أجل القارئ ربما؛ حتميَّة الجائزة تفرض عليه بالأساس الكتابة بأسلوبٍ ما لتفتح مساراً للكتاب في أنْ يشق طريقاً مغايراً عن زملائه، وذلك من أجل طرق أبواب الشهرة وكسب قُرّاء جددٍ، وهذا ما جعل الأدباء يميلون لكتابة الرواية وترك بقايا صنوف الأدب من شعر وسرد وترجمة ونقد وغيرها، وبالتالي فإنَّ الموضوع أسهم بشكلٍ كبيرٍ في إقصاء القصيدة الشعريَّة على سبيل المثال.
هذا الجدل أثارته طبيعة الجوائز على الوسط الأدبي، وهو ما يتيح لنا طرح تساؤلنا على مبدعين حصلوا على جوائز محلية وعربية ودولية: وإلى أي حد أسهمت هذه الجوائز إيجاباً أو سلباً بالمستوى الفني للأعمال الإبداعيَّة؟
يرى الممثل والأكاديمي سعد عزيز عبد الصاحب: أنَّ المسابقات المسرحيَّة الحالية في بلادنا خرجت عن أهدافها الحقيقيَّة وراحت تُرضي هذا الطرف على الآخر، أو تجعلها لجان التحكيم مناصفة لكي ترضي جميع الأطراف، وبهذا أسهمت في تراجعها وتراجع المسرح، وبالنتيجة أصبحت لجان الجوائز شكليَّة وأفقدت روح المنافسة بين العروض، فضلاً عن إهمال الجانب التقويمي والتربوي في هذه الجوائز.
 
الجائزة ومسؤوليَّة المعرفة
من جانبه أوضح الناقد الدكتور علي حداد: {لا أظن أنَّ الجوائز هي من سببت ذلك الانحدار الذي تعنيه. إنَّ بنية سياسيَّة وثقافية لم تضع لنفسها خطط عمل فاعلة لكثير من جوانب العمل الثقافي وأدواره ومساحة فعله المجتمعي هي المسؤولة عن كثيرٍ من الظواهر السلبية التي نعايشها، ومنها افتقاد التخطيط الرصين لتلك الجوائز والغايات التي يراد تحقيقها من خلالها... فالكثير من اللجان التي تشر ف على الجوائز تفتقر الى الخبرة والرصانة، فضلاً عن ضعف إدراكها لوضوح مفهوم الجوائز والغايات المترتبة على منحها، كونها واحدة من مساعي الارتقاء بالمستوى المعرفي والثقافي وترصينه}. وأشار حداد الى أنّ {اللافت في الأمر هو ما يأتي بعد منح تلك الجوئز، إذ يتناسى أمرها ولا تسلط أضواء إعلامية حقيقية على متحقق تلك الجوائز ولا يحتفى بالحاصلين عليها وبالجهد المعرفي والثقافي الذي أهلهم لنيلها، لينتهي أمرها الى الصمت والتغييب حتى يحين موعد منحها مجدداً في عام لاحق}.
أما السارد خضير فليح الزيدي فأشار الى أنَّ {الجوائز على وفق انطباعي عنها ليست سيئة، كما يصفها من خاض غمارها ولم يفز. لقد أسهمت الجوائز الرصينة على توفير بيئة وفضاء ملائمين لإبراز الكتب الإبداعية والتي لم ينصفها الترويج الجيد لها. لأنَّ جمهرة القراء غالباً ما تعتمد توصيات لجان التحكيم المحكمة في فرز الإبداعي من غير الإبداعي، الجوائز سمة عصرية تواكب الفعاليات الثقافية والقرائية}.
 
الجائزة والحراك الأدبي
أكد الشاعر والناقد محمد صابر عبيد: أنَّ {الجوائز الأدبيّة تعدُّ في العالم كلّه وسيلة مهمة من وسائل تنشيط الفعل الأدبيّ الإبداعيّ على مختلف المستويات، وهي تعبّر عن طبقة حضاريّة من طبقات التفكير بالفعل الأدبيّ تسهم إسهاماً كبيراً في رفد الساحة الأدبيّة دائماً بالجديد والمفيد، وتوجد لدينا مجموعة من الجوائز الأدبيّة العربيّة لها مرجعيّات وأهداف ومقاصد متباينة، بعضها مهم جداً وبعضها مهم وبعضها أقلّ أهمية وبعضها لا قيمة له بحسب طبيعة وجوهر كلّ جائزة، وبحسب اطلاعي أعتقد أنّ هذه الجوائز لها فائدة ودعم وتنشيط للحراك الأدبيّ دائماً، بصرف النظر عن الاتهامات والتخوينات ونظريات المؤامرة التي تلصق ببعضها ممّن لم يفز بها على الأغلب}.
 
جوائز ومكافآت
الكاتب والناقد كيلان محمد سالار أكد أنَّ {هذا الأمر يستدعي دراسته على أكثر من مستوى، لأنَّ حجم التفاعل مع الأعمال الروائية وصَل الى حدٍ لا يمكن تفسيره وفقاً لمنطقٍ اختزاليّ، كما أنّ العوامل التي تدفع بهذا الجنس الأدبي الى الصدارة متعدّدة. يأتي في مقدّمتها تكاثُر الجوائز الأدبية المرصودة للاحتفاء بالمنجز الروائي بقطع النظرِ عن جودة الأعمال التي تصل الى قائمة الجوائز الأدبيَّة. فإنّ وجود هذه المكافأة يزيدُ الرغبة في إنتاج الرواية، وذلك لأنَّ العمل الذي يفوز بالجائزة يتوّج صاحبه على منصّة النجوميَّة}. وأضاف سالار: {كما أنّ الجهة التي تكفّلت بطباعته تستفيد نظراً للإقبال على العمل الفائز. ما يعني طباعته أكثر من مرّة، مع الإشارة في أعلى الغلاف الى الجائزة التي مُنحَت له وقد تضاف على واجهة الغلاف عبارةُ من أكثر الروايات مبيعاً أو العمل الذي حُوّل الى فيلم سينمائي وشاهدَه الملايين.. كلّ هذه الحملات الدعائية تضَعك أمام عددٍ من الأسئلة: هل الكتاب الذي يُقبلُ عليه القرّاءُ بنهَم يكون أفضلَ من عنوان آخر بالضرورة؟ ماذا عن الكتاب الذي يمرُّ عليه حينٌ من الزمن قبل أنْ يتمّ إدراك قيمته لدى الجمهور؟ طبعاً، تلعبُ وسائلُ الإعلام والاعلام البديل ايضاً دوراً لا يُستهان به في الترويج لإصدارات متنوّعة، كما أنّ ذكاء المؤلف في تسويق مادتِه من خلال منصّات مُتعدّدة يُعَدُّ عُنصراً مُهمّاً في وصول نتاجه الفكري أو الأدبي الى قائمة أفضل الكُتب. ولا يُمكن في هذا السياق تجاهلُ ما يسودُ في الوسط الثقافي من العلاقات والاعتبارات الشخصية}.
وأشار موضحاً: {كما أنّ المناخ العام بدوره قد يكونُ عاملاً في الدفع بعنوان معيّن الى الواجهة، بحيث لا يتمكّن المرءُ من مقاومة التيار هنا، فلا مناصَ مِن قراءة ما يتداول الحديثُ بشأنهِ على صفحات الجرائد والمجلات والمواقع الالكترونية من الأكثر تأثيراً على اختيارات القُرّاء، ومن المُلاحظ أنّ معظم دورِ النشر قد أنشأت حسابات خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي وتعيدُ نشرَ المقالات المكتوبة في الصحفِ والمنابر الالكترونية على صفحاتها، ما يُولّد الرغبة لدى المُتابعين في قراءة ما تناوَله الناقدُ او الصحافي في 
مقالته}.