نهضة علي
توجد قرية جرمو او آثار جرمو بمنطقة هموند الواقعة 60 كم تقريبا شرق محافظة كركوك وشرق قضاء جمجمال التابع لمحافظة السليمانية شمالا، ويحوي المكان المحيط بها والمؤدي اليها جغرافية متموجة ما بين التلال والاودية، وتعد اقدم تجمع سكاني زراعي في العالم، اخفتها عوامل التعرية وتغيرات المناخ لتبقى عبارة عن حفر مدورة فوق تلة عالية في داخلها اقدم مواقع اثرية في العالم.
تعد جرمو وفقاً لما جاء في مقال الكاتب عادل عبد الرحيم في كتاب «ميزوبوتاميا»، اقدم التجمعات الزراعية في العالم، ويرجع تأريخ الاستيطان فيها الى 7000 سنة قبل الميلاد، وتعد من اقدم قرى العصر الحجري وتم التنقيب في سنوات قديمة بعد اكتشافها فقد تم اكتشافها في اربعينيات القرن الماضي من قبل دائرة الآثار العراقية، واوكلت عملية التنقيب الى مؤسسة الدراسات الشرقية في جامعة شيكاغو الاميركية، وتم ارسال طقم من خبرائها المختصين في الآثار، لكنها في الوقت الحالي تبدو لزائرها حفراً مدورة ومربعات تحيطها بقايا الجدران، ومقسمة بطريقة هندسية متساوية للبيوت والازقة فوق تلة عالية نما عليها العشب الاصفر بسبب حرارة الشمس اللاهبة وفي داخلها يتواجد الشكل الحقيقي للموقع الاثري القديم بعمق اكثر من سبعة امتار، وتعاني الاهمال وعدم الاكتراث من قبل دائرة الآثار المختصة في المنطقة العائدة اليها اداريا، لا بل حرمت من عزلها بسياج يحيطها او قطعة دلالة تؤدي اليها.
المهتم في الشأن الاثري بيشه وارؤوف اكد لـ «الصباح»، «بان تحديد موقع جرمو بالضبط بمسافة تصل الى 11 كم شرق قضاء جمجمال ضمن حدود قرية كاتي سال التي تقربه بحسب قوله وعمقها سبعة امتار ومساحتها 12 -16 الف متر، وروى القدماء ممن كانوا يمرون او يرعون الماشية عن وجود حصى او احجار تدل على ان المكان كان مأهولا بالسكان في سنوات موغلة في القدم، وان القرية تضم 20-30 بيتاً من الطين، ويبلغ عدد ساكنيها 150 شخصا، وانها تمثل السكان القدامى وطريقة معيشتهم، وتعود الى العصر الحجري القديم، وسكانها امتهنوا الزراعة وتربية الحيوانات».
مجتمع متكامل
وبعد البحث والاستعانة بعدة مصادر تبين أن جرمو تمثل مجتمعا قديما متكاملا من عدة نواح، العيش والعمل والصناعة والهندسة والتطلع نحو التطور ، وبناء البيوت باستخدام التراب وبنوعية تخصص للغرض المذكور والاستفادة من الاحجار المتواجدة في البر، ورعي الحيوانات، واكتشفوا الزراعة، وتعلموا امتهانها كمصدر لاستمرارية المعيشة لتكون اقدم مجتمع زراعي في العالم، فضلا عن الاهتمام بالمعتقدات، وتم الاستدلال الى ذلك من خلال المكتشفات المتبقية ودراستها من قبل المختصين عند اكتشافها، فضلا عن ان التمعن في الصور للمكتشفات القديمة من خلال العبارات التي كتبت عن آثار جرمو، وان البناء الهندسي للبيوتات البسيطة والاشكال لمصنوعات بعض الزخارف تدل على تطلعهم للحضرية وتطور مجتمعهم والاهتمام بالتعليم منذ ذلك العصر.
وأكد عادل عبد الرحيم «ان الآثار المكتشفة في القرية كثيرة، ومنها ادوات من الحجر واكثرها مصقولة، وادوات من العظام ودمى من الطين وشفرات المناجل المصنوعة من الحجر لصوان واحجار الطين، ووجد في اعلى طبقات الموقع كسر من الفخار السمج، وبقايا جدران البيوت تدل على انها بنيت من الطين بعد فخره وتيبيسه، وعن سكانها فانهم عاشوا في قرى صغيرة ذات منازل مستطيلة متعددة الحجرات مصنوعة من الطين، وكانوا يزودون بيوتهم باحواض للغسيل، وافران الخبز الطينية، واتقنوا صنعة الحلي الخاصة كالعقود والاساور من الاحجار، وكانوا يمتلكون كل الادوات المعروفة للعصر الحجري الحديث، مثل الفأس الحجري والآلات الزراعية والمنجل وطواحين الحبوب الصغيرة، واهم محاصيلهم القمح
والشعير».وعن معتقدات سكان جرمو أوضح عبد الرحيم «لقد نظروا للمرأة على انها رمز للآلهة، فاقاموا لها التماثيل من الصلصال، واغلب معتقداتهم الدينية آنذاك تقوم على الخصب وعبادة الام السومرية الكبرى وسيدة الطبيعة والكون، ويعدونها الهة الخصب والتكاثر».
متحف لآثار جرمو
استاذ التاريخ في جامعة جرمو الواقعة بقضاء جمجمال اوميد خطاب بيّن لـ «الصباح» أن «جرمو هي أقدم مجتمع زراعي في التاريخ وبنيت بيوتها من اللبن المعمول من الطين، وسقفت باللبن الطيني المجفف بالشمس وفي موقع جرمو آثار وتاريخ عميق لم يكتشف، وتم العثور على تمثال الالهة الأم في القرية، لكن القرية لم تحظ بالاهتمام الكافي، وتحتاج لبناء سور حول القرية لجعلها معلماً سياحياً تاريخياً محمياً من خطر الزوال، ولابد من رعاية الموقع وحمايته، والمنطقة بحاجة ملحة لمتحف يضم جميع آثارها».
موقع كريم شاهر الأثري
اثناء الولوج في الطريق المؤدي الى قرية جرمو والذي هو بين انحدار وارتفاع نحو جبال زاكروس، فاذا بلافتة مثبتة تتوسط سفح حد لتلال تدل على ان في الجهة اليسرى من الطريق يوجد كهف كريم شاهر، وكتب فيها بان الموقع تم تثبيته في سجلات دائرة الآثار عام 1947وهو من اكتشاف جامعة شيكاغو الاميركية عام 1947 - 1955 ويعود تاريخه الى اواخر عصر الميزولرثيك، أي اواخر العصر الحجري القديم 20000 - 12000 سنة قبل الميلاد، وبعد مسافة قصيرة يطل الكهف ذو الواجهة السوداء ويقابله منحدر عميق محاط بجبل عال وبدت مقدمة الكهف عريضة كسر فيها الظل اكثر المنطقة المحيطة بها، حيث اشعة شمس الظهيرة العمودية، وبالرغم مما كتب على قطعة الدلالة للسنين القديمة العائد لها، الا انه مازال شكله لم تغيره العوامل المناخية عبر الزمن الطويل، وما يميزه هو عمقه الى الداخل، والغطاء الامامي لواجهة الجبل الذي
يعلوه.