علي الشيال.. جماليات المكان ونص الومضة

منصة 2021/07/29
...

 صباح محسن كاظم 
 
لا ريب انَّ أحد المحفزات على الإبداع هو سحر المكان، والعودة الى الجذور، والوطن الأم، المدينة، الزقاق ونشيد الطفولة.. فما بالك بفينيسيا الشرق! مدن الماء التي تطوف عليها البيوت العائمة بماء الله في أرضه، والتي تغنى بها الشعراء؛ وكُتبت 
عنها المواويل، وتغنى بجمال سحر الأهوار أعذب الاصوات المتفردة بالغناء الريفي العراقي، بيئة منتجة للحضارات.. والجود والشجاعة. تهفو لها القلوب من كل أصقاع الأرض، مدن الطيور، والقصب، وحكايا الدوراين من الميثولوجيا والاساطير الى واقعنا اليوم تنتج الأهوار سلة غذاء الوطن لكنها تعيش 
الألم. 
بسبب الإهمال المتراكم لذا نجد الشاعر المغني من هذه البقعة يكتنز بمخيلته مساحات من المعاناة.
مدن الكفاح، مدن الرفض ضد الفاشستية، مدن الإباء لا الخنوع، تلك المدن المُتاخمة لاور ولكش واوروك واريدو.. اكتب تلك المقدمة لانعكاس هذا الواقع والبيئة في ديوان الشاعر علي الشيال (اوروك يا سليل التعب) الصادر عن دار (ميزوباتاميا) بنصوص استحضرت التاريخ واستوحت منه {ثريا النص} فهو مفتاح لتلك النصوص (اوروك، ابنة الله، احتفائية لتتويج الانكسار، القادم بلون الهواء، أمنيات رسام تجاوز الثلاثين، أمير التجاعيد، انعتاق، باقة من تراب، تداعيات لوجع قادم، ترنيمة سومرية، جميلة، حمى، رحلة في ذاكرة الألوان، عندما يضحك المطر، لحظة اغتيال الحلم، ليلة من نوع خاص). 
ففي نص اوروك (الى ولدي اوروك آخر سلالة التعب): 1- اوروك يا سليل التعب يا ابن العيون التي تقتنصُ الناهدات وإنْ كانت في بروجٍ مشيّدة يا وريثَ الآه والوجعِ اللذيذ ايّ {المشاحيف} قادك إليّ لتكمل ما تبقى من زقورةِ الألم أيها المخلوقُ من غناءٍ ورفض تعلّمت اللا والمواويل ثمة استداع لتاريخنا السومري، والميثولوجيا التي تؤمن بالخلود، وتتماهى مع الاسطورة، كلكامش – شبعاد - معبد دبللماخ – عشتار. 
هذا الاتكاء على التاريخ يدعم النصوص بالتأثر بجماليات المكان، وتضمين النصوص في الديوان: النوارس، وقبلات الحبيبات، ووحشية السجون، وقساوة الجلاد، ونتانة الزنازين زمن الدكتاتورية، تضرع الأمهات يجعل تلك النصوص تلامس شغاف القلوب..
يذكر الدكتور إبراهيم الوحش في النقد التكاملي2-: (الحداثة الشعرية هي ممارسة وتصور معقد في ذاته بعلاقاته المتجاورة وعناصره المتصارعه، والعملية الأدبية لها دوائر ثلاث هي: دائرة البعد الذاتي ودائرة البعد الاجتماعي، ودائرة البعد الإنساني الحضاري، وهذه الدوائر تشكل المعمار الفني للعملية الفنية، وهي متشابكة ومتداخلة.
بالمكان سمة تغلب بمختلف نصوص الشاعر علي الشيال في تعلقه وعشقه، رغم محنة المكان من الإهمال بكل العهود، لكنها مدينة خصها خالق الوجود بتقديم قوافل الإبداع والشهداء على طوال تاريخها، لذلك أرى بنصه {ابنة الله} ص12 عتّقتُ الناصريةَ بالجراح فانبثقَ الصباح لا تسألوهُ أنا المصنوعُ من خيبة الحروب وذاكرةِ المدنِ التعيقة علّمني الحلاجُ بن عراق الناصري أنْ أحطّ ركابي على الفراغ لأصنع الحقيقة لذلك كوّنت من الأعلى ارجوحةً خضراء وخبأتها في جبّتي يا ربّ كم الناصرية جميلة لكنّها الحرب الحرب 
الحرب.
لقد تأثر معظم الشعراء بسحر المكان، فتم توظيف كل الحواس لالتقاط الصور الشعريّة المُبهرة من التاريخ أو البيئة لدعم الصور الجماليّة المُعبرة عن عشق الشاعر لمدينته أينما كان، وإشراك مختلف الفنون بالتعبير عن تعلقه بالمكان. 
إنَّ التجريّب الشعري نظر له عشرات النقاد من الأكاديميين، وقضية تداخل الفنون {التناص الشكلي} في دعم الشاعر لنصوصه من رؤيته الوجوديَّة في المكان وجمالياته وسحره وتاريخه.
يذكر الدكتور أثير محمد شهاب 4-: (... فمسألة تدخل (فن بآخر، من المسائل المهمة في تشكيل النص المعاصر، والسبب في ذلك واضح {هو أنَّ التمييز بين الأنواع الأدبيَّة لم يعد ذا أهمية في كتابات معظم كتاب عصرنا، فالحدود بينهما تعبر باستمرار، والأنواع تختلط، أو تخرج، والقديم منها يترك أو 
يحور).
في نص الومضة التكثيف، الرمزية، الانزياح، المفارقة الخيط الجامع في نصوص الومضة بالديوان الثاني {كاهن الخذلان}.
تطور القصيدة الشعريَّة من الملاحم الأولى، والأناشيد للقصيدة العمودية، ثم الشعر الحر والنثر، والنص التفاعلي النص التكنولوجي باشتغالات الريادة المسجلة عراقياً للدكتور مشتاق عباس معن كما درسته بالفنارات الجزء الأول 2010. 
بيومنا هذا أصبح نص {الومضة} هو الشائع بعوالم التواصل الاجتماعي، فضلاً عن الاهتمام به، هذا ما لمسته بالنتاج الشعريّ الكبيّر بمصر أو لبنان وغيرها، وقد تناولت كثير من الدواوين بمقدمات، وبدراسات نقدية، لكنَّ القدرة الفنية تتأرجح بين الشعراء بين نص ومضة يفي بالغرض الشعري، وبين أقصوصة نثرية تخلو من الشعرية، لذا أجد بتلك النصوص رمزية واضحة كنص: بكاهن الخذلان 5 -
سأقولُ لكِ سراً.. العصفور الذي وجدوه ميتاً على نافذتك كان قلبي
ساقولُ لكِ سراً آخر: الفراشة التي تطارد ظلّكِ، كانت روحي.
أيضاً سأقولُ لكِ سراً: حينما رحلتِ بحثتُ عني ولم أجدني.
كبلبلٍ صغير أعرفُ قبر والدي من الزقزقة!
كم مرةٍ حاولتُ تجفيف روحي على حبلِ الغسيلِ كي ترتديني.
لطالما أكدت وغيري من النقاد الذين سبقوني وأتعلم من تجاربهم إن روح الشعر تعتمد على 1- جمالية الصورة المتخيلة من سحر المكان والوجود وفضاءات الحلم والتخييل.
2 - الموسيقى الداخلية للمفردات إذا تجانست تحيل المتلقي لتذوق النص الشعري، وقد تحقق كلاهما بنص الومضة لدى علي الشيال بالتركيز وجمالية الصورة، فالروّح كتغريدة البلبل تهفو لمن تحب.
1 - علي الشيال - اوروك ياسليل التعب – دار ميزوبوتاميا 4
2 -  د- ابراهيم الوحش- في النقد التكاملي – كتاب دبي 75
- الديوان ص12 
3 - 4 - د- اثير محمد شهاب – سينمائية النص الشعري الشعر العراقي أنموذجاً – ص83- 
 5 - كاهن الخذلان - دار ازمنة – ص5- 6 - 7 -  30 - 55