الاستقرار كان سبباً لازدهار الاستثمار في الرمادي

بانوراما 2021/07/31
...

 جين عراف
 ترجمة: ليندا أدور
 
على ضفاف الفرات، ترتفع عوارض حديدية وطوب، حيث يشيد فندق فخم مكون من 20 طابقا يضم حمامات سباحة ومنتجعا صحيا ومطاعم تطل على مياه النهر بلونها الأخضر المزرق في أطراف مدينة الرمادي العراقية.
في الوقت الذي يعد الفندق ذا الخمسة نجوم ليس أمرا غير عادي في عدة أماكن، لكن هذا هو الأول الذي يتم بناؤه بعد عقود، في محافظة الأنبار، التي تحمل ندوب المعارك، وهي اليوم جزء من ازدهار الاستثمار لمرحلة ما بعد داعش، في منطقة أصبحت، واحدة من أكثر المناطق استقرار في البلاد. يقول مهدي النعمان، رئيس هيئة استثمار الأنبار: «في العام 2016، عندما دخلنا المدينة، بدت كمدينة أشباح»، متفقدا المدينة خلال جولة على الطرق السريعة الجديدة المحاطة بالعشب وحوامل حديدية مليئة بأزهار البتونيا البنفسجية والبيضاء، مضيفا «حتى أنك لن ترى قطط وكلابا سائبة، في غضون عامين، تمكنا من تغيير مجريات الأمور». 
شهدت مدينة الرمادي موجات من الحروب منذ الاجتياح الأميركي للعراق سنة 2003، وآخرها، بعد سيطرة عصابات داعش الإرهابية على ثلث الأراضي العراقية أواسط العام 2014. لكن الرمادي بدأت تزدهر، فالى جانب الفندق الفخم الذي تصل كلفة بنائه الى 70 مليون دولار، بدأ العمل لإنشاء أحد أكبر المراكز التجارية، فضلا عن عطاءات تقدمت بها شركات لإنشاء مطار دولي فيها. تركت معارك التحرير، على مدى ثلاث سنوات لطرد مسلحي داعش منها، مدينة الرمادي تعاني من أضرار جسيمة وقد خلت من مدنييها. واليوم، يسهم المستثمرون العراقيون الذين كانوا يركزون على مشاريع خارج البلاد طيلة السنوات الماضية، في إعادة بعض من أرباحهم الى الأنبار، في حين تلقي شركات أجنبية نظرة جديدة على مدينة أعيد بناؤها بعد المعارك ضد عصابات داعش الإرهابية. ورغم أن بعض أحيائها السكنية تعاني الخراب والدمار، فقد غيّر البنيان الممول من الحكومة شكل المدينة، فبدلا من الشوارع المزدحمة والمليئة بالحفر وأعشاش الأسلاك الكهربائية المعلقة والموجودة في مدن أخرى، تفاخر الرمادي بنظام طرق أعيد تنظيمه وقابلوات كهربائية تحت الأرض ومكاتب حكومية مركزية.
 
عادوا بالمال
يشير علي فرحان، محافظ الأنبار، في حديثه قائلا: «عدنا الى خراب، فقررنا أن أي بناء جديد يجب أن يبنى وفق الطرق الحديثة لنواكب التخطيط الحضري الحديث»، مشيرا الى أن المدينة عانت الكثير من الدمار، فمع استيلاء داعش على المدينة العام 2015، فر فقراء الرمادي، التي يبلغ عدد سكانها نحو نصف مليون شخص، الى الصحراء، ليسكنوا في مخيم مؤقت للنازحين. لكن العديد من سكانها، من المقتدرين، انتقلوا للعيش في اقليم كردستان العراق أو غادروا باتجاه الأردن وتركيا، وعندما عادوا اليها، صار الشباب منهم، بالتحديد، يرغب بذات مراكز التسوق والمقاهي والفنادق التي اعتادوا عليها، فالى جانب متاجر التسوق الكبرى الجديدة، تصطف مقهى «ستاربكس» ورفوف داخل متاجر لدقيق خالٍ من الغلوتين.
يقول ماهر عثمان، متعاقد عراقي لبناء فندق الرمادي الجديد، الذي لا يحمل اسما بعد: «لن يكون مجرد فندق فحسب، بل مركز ترفيهي»، مشيرا بأن شركته، جزيرة العطاء، تخطط لإنفاق نحو 20 مليون دولار، من تكلفة البناء الكلية، على حمامات السباحة والمطاعم والمتاجر والمنتجع الصحي وفق الطراز المغربي. 
جنى رجال الأعمال الذين تشتهر بهم الأنبار، ثرواتهم من خلال العمل في مجالات النقل والإعمار وغيرها، ومنهم مالكو «القصاص»، هي شركة عائلية تقوم ببناء مركز تجاري وسط الرمادي بقيمة 70 مليون دولار، يقول معاذ عليان، مدير المشروع، الذي يتنقل بين عمّان ودبي بأنهم: «عندما اضطروا الى الفرار، نجح الأنباريون بالقيام بأعمال تجارية في الأماكن التي ذهبوا اليها في تركيا ولبنان والأردن وبغداد وكردستان، وعندما عادوا إليها، كان معهم المال»، وقد قررت أسرته إنشاء المركز التجاري بهذه التكلفة الضخمة لأنهم يعتقدون أن هناك سوقا له، ولكي يرى سكانها بأنهم يستثمرون أموالهم في محافظتهم الأم. 
 
الحلم الكبير
وسط الرمادي، ترتفع عاليا رافعة ضخمة فوق هيكل لما سيصبح مركزا تجاريا من ثلاثة طوابق بنوافذ سقفية، اذ من المؤمل أن تسهم مئات المتاجر فيه بتوفير فرص عمل لأكثر من 1200 شخص. في مستشفى الصفوة التخصصي الجديد، يمرر مديره محمد مصلح، هاتفه عبر رمز شريطي موجود على باب غرفة المريض للحصول على المعلومات، إذ جهز المشفى بمعدات متطورة كمجاهر خاصة بالجراحة العصبية، لا تتوفر حتى في اقليم كردستان. في مكتبه ضمن المبنى الحكومي الجديد، يفتح النعمان ملفا رمادي اللون يضم أكثر من 200 إجازة استثمار أصدرها، تصل أقيامها الى أكثر من خمسة مليارات دولار، وتشمل محطات للطاقة الشمسية ومصانع أسمدة ومجمعات سكنية ومدارس، يشكل المستثمرون العراقيون نحو 70 بالمئة منها، في حين تأتي البقية من ألمانيا والهند وتركيا والإمارات وغيرها من الدول. أما حلم النعمان الكبير فهو تشييد المطار الذي خصصت الحكومة له 70 مليون دولار لمرحلة التخطيط الأولية. على بعد بضعة أميال من أطراف الرمادي، قرب محطة السكك الحديد، ينظر مهند حيمور، رجل الأعمال الأردني-الأميركي، الى الأرض التي تم تطهيرها من مئات المتفجرات، إذ يخطط لبناء مدرسة، تكون جزءا من نظام «البكالوريا» الدولية، وهو شبكة من المدارس بعموم أنحاء العالم، تلتزم بالمعايير الدولية. كما يخطط لإنشاء مجمع ضخم يضم فندقا ومساكن ومتاجر ومرافق ترفيهية. يشير كل من النعمان وحيمور، الى اعتقادهم بأن طلب الرشاوى قد تراجع، فيما أسهم استقرار الرمادي بازدهار الاستثمار فيها.