الميل الى قراءة المقالات السريعة

منصة 2021/08/02
...

 ضحى عبدالرؤوف المل
يخضع القارئ للإشراف الذاتي بسلوكٍ عفوي يدخل من خلاله لعبة الخيال، فيعيد تشكيل النص تبعاً لمعرفته الأدبيَّة أو لرؤيته التي تخضع الى فك شفرات النص المعقدة، وفق مفهومه وتحليلاته الشخصية بعيداً عن النقد الأكاديمي وتشريحه وبعيداً عن المقالات الكبيرة والمحكمة والتي تخضع للكثير من المراجع، فالنص الأدبي ليس برسالة مفتوحة المعاني، بل هو عملية إبداعيَّة تتضاعف المعاني فيها لتصل الى قارئ ذي دور فعال في تشكيل القيمة الحقيقيَّة للعمل الأدبي، بتكويناته الجمالية والتعبيرية المرتبطة بلعبة الخيال.
 
 فما هو دور القارئ في القراءة الإمتاعية؟ وهل يمكنه الإمساك بلجام النص دون فقدان المعنى؟ وهل اكتساب المعرفة ينتج عن قراءة العديد من النصوص التي تلتقط المشاعر أولاً؟ أم أنَّ القراءات الطويلة تحدث شرخاً بين الفهم والاستنتاج؟ وهل أصبح القارئ يميل الى قراءة المقالات السريعة؟
إنّ استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يثري النشاط الأدبي بشكل كبير بدءاً من المدونات إلى المقالات المكتوبة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تستقطب عدداً كبيراً من متابعيها، وبالتالي يزداد التساؤل من قبل القارئ الورقي هل يمكنه الاعتماد الكترونياً على القراءة السريعة التي تتخذ من تقنية المعلومات وشبكات التواصل الاجتماعي نقطة انطلاق لها، وتؤسس لنهج أدبي جديد يجعل القارئ يبحث عن رواية قصيرة أو قصة قصيرة أو قصيدة بأبيات قليلة، لكنها كثيفة المعنى، وقادرة على جعله يدخل في لعبة الخيال التي تسمح له في تكوين صورة فعالة تتغذى على المقصد الأساسي الذي أراده الكاتب الذي يحاول التقاط القارئ من خلال مقالاته السريعة أو كتاباته الخاضعة للعبة الخيال التي تقود الى إعادة تمثيل للواقع وانعكاسه داخل النص. فهل سنشهد على ولادة نصوص مختزلة في رصيد أدبي يمثل ما بعد الحداثة؟ أم أنَّ كل قارئ يمتلك قدرة استيعابية سريعة مختلفة؟
يجمع القارئ الأحكام والمعاني بشكلٍ ضمني، فيعيد بناء الأهداف التي انطلق منها الكاتب كاشفاً عن القيم الإنسانية أو غيرها من التي تتوافق أو تتعارض مع مفاهيمه ومعرفته، وعن الإيديولوجيات محاولاً تحديد هوية الكاتب ومقاصده في قراءة سريعة يتعاطف معها الحس الأدبي والجمالي، وقد تصل الى التعاطف والتنازل عن قيمه الخاصة سواء اتفق مع الكاتب او اعترض على الفكرة التي يتناولها والمؤثرة في المشاعر، وان سيطرت العقلانية على ذاتية القارئ، والتي قد تتخذ أشكالاً مختلفة من الاستنتاجات التي تتنوع وفقاً للكاتب وأهدافه، وبعيداً عن الفرضيات الأخرى المرتبطة بالقراءة الإمتاعيَّة التي تربط القارئ بالكاتب بشكلٍ مباشرٍ من خلال النص أو المقال الذي يتناول فيه عدة خيوط تتعارض أو تتوافق مع موازين القارئ الفكريَّة، وبشكل يجعل من القراءة لذة حقيقيَّة تترك في النفس المعنى الحقيقي للقراءة التي يشترك فيها القارئ مع الكاتب من خلال ما اختزله، وما تركه من رموز في نص استطاع طرح عدة إشكاليات. فهل النصوص القصيرة تثري معرفتنا من خلال التساؤلات التي تتركها مفتوحة على عدة تأويلات؟ وهل من دور للقارئ في خلق رؤية تكوينيَّة جديدة للنص او المقال؟
بما أنَّ القراءة ترتبط بالمعرفة غالباً، وهي عملية معقدة يفككها الدماغ ليبحث عن القيمة الفاعلة التي ينتجها النص، فإن القارئ من خلال ذاكرته البصرية وذاكرته الدلالية يشترك مع الكاتب في فهم التخطيط البنيوي للنص، وبالتالي الأخذ بحجم المعلومات التي استفزت القارئ، ودفعت الكاتب الى توليد الخيال او الحقائق المتخيلة بشكلٍ مضاعف، وإنْ ضمن معالجات كتابية نتجت أصلاً عن قوة المعرفة مع فهمٍ للمدى الإدراكي للانتقال من جزءٍ الى جزءٍ بديناميكيَّة تختلف من قارئ لآخر في التقاط المعلومات التي يمكن العمل على توسيعها بعد أنْ اختزلها الكاتب لإنتاج المقال القصير أو السريع قراءة. فهل فرضت التكنولوجيا هذا النوع من المقالات لقراء الزمن السريع وقراء شبكات التواصل الاجتماعي؟